آفاق نقدية
“”””””””””””””
نظرة…
في لألئ الشاعر
أحمد محمود حسن
بقلم الناقد محمد رستم
أن تبحث في كنوز شاعر متألق ، قد يبدو الأمر سهلا،لكن أن تكتب عن ظاهرة شعرية متفردة ،فتلك قضيّة تحتاج تأملاً ورويّة .إذ يفاجئك الأمر ،من أين تبدأ، وكيف لك أن تلمّ بجوانب هذه الظاهرة مجتمعة .
حديثنا عن الشاعر الكبير أحمد محمود حسن ، ،والذي يبدع في كل أنواع الشعر ،(الخليلي،التفعيلة ، النثري ،) والمحكي.
كما يكتب الرواية أيضاً .هو قامة من ألق وإبداع وشعر ..
ولأنّ شاعرنا يعرف أنّ الكلمة سواء أكانت شعراً أم نثراً إنما هي رسالة تحمل مضموناً ما ، لذا فقد ذخَر فكره ، وخوابي ذاكرته ، بمعجم لغوي واسع ،وبكم هائل من المعارف والآداب والثقافة العميقة الجذور والضاربة في مهاد التراث الإنساني الثر فتمثّلها ثم قطف منها ثمار حكاياها العريقة ..
وكان لنشأته في رحاب أسرة ذات ثقافة دينيّة واسعة في التراث الإسلامي الأثر الواضح فكثيراً من نجد التناص مع القصص القرآني في معظم قصائده. فهو مثلاً يرى أن اختلاف البشر إنما يعود إلى اختلاف الجبلة الطينيّة .يقول ..(لست من مائي وطيني ) وفي الوقت ذاته نراه غير متعصّب لدين معين ، بل نسمعه يشيد بالأديان السماويّة الثلاثة
يقول ..(أكان لزاماً أن تحجّ قصائدي إليك …وعندي ناووس ، وركن ، ومعبد )
ونراه يغوص في حالة من الصوفيّة والعرفانيّة العميقة مؤكّداً سمة من طهارة الروح يقول (ولا أطلب الأقداس إني شاعر………أقدس في لأرض المحبّة ذاتي )
ويبيّن أنّ فكره الإيماني يرتكز على الابتعاد عن كل ما يلحق الأذى بالناس على اختلاف مشاربهم فالأذى من نهج إبليس يقول (يقيني إن من يتبع إبليس ……يلاقي ربه صفر اليدين )
ولعل أهم ما يميّز قصائده هو حروفه التي تنبض بالثقافة الإسلاميّة الراقية سواء بالتلميح أم بالتناص الواضح فنراه مثلاًيضمّن أبياته معاني بعض الآيات القرآنيّة كإحضار عرش بلقيس وتعليم آدم الأسماء كلّها .. يقول ..(عرش الجمال بردّ الطرف أحضره ……..فتستوين وحاوي الجن ما رمقا)(فعلّمي الشاعر الأسماء إنّ به ……روحاً من الله لو بللغو قد نطقا)
وكثيراً مايلجأ إلى تضمين أو اقتباس لأسماء سور قرآنية يقول (من صب زيت القوافي نار أسئلة ……حتى شرحت له الإسراء والفلقا) ونراه يشير إلى قصّة موسى والوادي المقدّس طوى يقول (ما أطفت ناري على وادي طوى …أو شئت عن طور الغرام نزولا)
وهو كثيرا ما يذكر بعض العبارات التراثيّة المعروفة مثلاً (ساء منقلبا)
(حبيبة الأمس ضاعت في الزمان سدى …تلك العهود وساء الحب منقلبا)
وكثيراً ما نراه يتكئ على التراث الإنساني العريق وما فيه من كم هائل من الأساطير..
يقول ….0(أنت أفروديت ..لست قيثارة أبولو…لست فينوس وقد أعطت لهيلين وباريس السفينة …… لا ولا أوذيس كي أزرع ملحا شاطئ البحر ، ولا بنلوب في القصر حزينه ) وهذا ما يعكس عمق ثقافة الشاعر وسعة معارفه
ويستعير أحيانا بعض الأمثال الشعبية ويصوغها بشكل يسحر الألباب ..( لو نلتقي لوداع لم أكن سبباً…… وهل يجمّع ماء بعدما انسكب )
ومن جميل شعره في ..مكان آخر يقول ..(لا ناقتي في الهوى ….كانت ولا جملي ) مما يؤكد أنه شاعر يبدع في جماليات التناص والشخصنة والاستدعاء والاسقاط الشعوري مما يبني جسور التواصل مع المتلقي بحميميّة دافئة وحين ندخل عالم الغزل لديه يسحبنا إلى فضاءات من المتعة والدهشة وكحالة من الإعجاب بالنفس وكمبالغة جميلة منه نراه ينصّب من نفسه إماماً ومعلماً للشعراء (ونرى أنّه لم يجاف الحقيقة في ذلك ) فهو ينافسهم حتى ليسلب منهم عشيقاتهم
يقول (علّمت قيس الهوى فاختل وانشغلت ….ليلاه بي وأردت الهجر فافترقا ) (ولو أردت جميلاً أن ينام على …..جمر الغضى لقضى بالوجد محترقا ..)
ويزعم أنّه عاشر شعراء الغزل بعصورهم المختلفة فأخذ من طباعهم ورقة قلوبهم الكثير ..الكثير ..
يقول (قابلت قيساً في بوادي عامر ….ولقيت في بعض الشعاب جميلا )(وسمعت من عمر أحاديث الهوى …وهوالذي سلب النساء عقولا )0(ورأيت ديك الجن ينزف روحه ….ندما وأمسى قاتلاً وقتيلا ) (وشربت من كأس النواسي الهوى …شغفاً وأبقاني لديه طويلا )..(وجرير أسكرني بخمرة بوحه …(إن العيون )فما سمعت مثيلا )
ونراه من رتبة هؤلا ء الشعراء ويليق به مصاحبتهم …
ولأنه شديد الاعتداد بشعره وشاعريته نسمعه يقول ..(لقد علمت أني من الجن أشعر ….ومن كل أهل الحب بالحب أخبر )
(إذا أجدبت أرض السموات من هوى……..بعثت غيوماً بالأحاسيس تمطر )
(تربعت كرسي المشاعر واحداً ……وما أي وحدانيّة تتكرر)
في حقيقة الأمر يبدو الشاعر أحمد محمود حسن مدرسة في البوح وموسوعة في التراث الإنساني والحضاري لكثرة ما يورد من أساطير وأمثال وقضايا أدبيّة وفكرية( بتناص مدهش .).
لذا تراه معتزاً واثق الخطو ة يمشي ملكاً ، ويبدي تدلله على المعجبات به يقول( .ماكل بارعة الجمال تروقني ..لو أنّها تضع السنا إكليلا).
ولكنّه سرعان ما يتراجع وتفيض مشاعره ألماً حين تهجره الحبيبة يقول (عزفت على النايات ليل مواجدي …فلم تجد النايات لحناً يعبر )…(ولم أر إلا سنديانة بيتنا ….تقيم على حبي إذ الناس تغدر ) فهو يدرك أن آدم لم يكن إلّا ثاني اثنين وأنّ حواء وحدها تكمل النقص الجميل ….
وكأن القصيدة لديه تأتي تجسيداًلحالة في حياته لذا تحس بأن لها إيقاعها النبضي الخاص .
ولشدّة بريق حرفه يكاد يقنعك بأن شعره الغزليّ إنما هو توثيق لأحداث معينة وحصيلة لتجارب عشقيّة عاشها الشاعر إذ يعرض فيها الكثير من الحوارات كما يصف دقائق لحظات اللقاء وحتى الخلافات التي تودي إلى الصد حيناً والقرب حيناً آخر …فتاء التأنيث هي بيت القصيد لديه .. يعيدنا إلى حكاية التفاحة
هذا وقد أبدع في تصوير تلك التجارب بلغة سلسة قريبة من القلب تجمع بين السهولة والعراقة والمتانة ..
وعرض أدق تفاصيل اللقاءات مع حواء ..ولعلي أطوّبه إمام شعراء الغزل بلا منازع ..فهو يدرك بعمق روعة تكوين الأنثى وسحر بهاء حضورها في الحياة وجسد ذلك في قصائده الغزليّة خير تجسيد..
Discussion about this post