روحان في جسد واحد .. بقلم الأستاذ الدكتور: رجب إبراهيم
إن الشعر يسمح للشاعر أن يصنع لنفسه ما لا يسمح به لغيره، وهما روحان في جسد واحد، والشعر يصور حياة الإنسان في أخفى خفاياها،وأدق تصوراتها التي يحاول الشاعر ،جاهدا، إيصالها لمجتمعه، وهو في ذلك يتقلب بين أمرين: نجاحه في مهمته وتبصرته لمجتمعه،أو إخفاقه وفشله فينتهي إلى التكذيب به أو الزج به في السجن.
لكن ..هل يمكن لغياهب السجون والأغلال أن تُسكِتَ صوت الشاعر الذي هو صوت نفسه؟!
أو هل يمكن لشاعر أن يتحمل ظلم عشيرته، وتَنكُّرَ قيبلته ، وكفر أهله بمبادئه؟!
إن للشاعر الحق في أن يبحث عن ذاته، يفتش عنها ليتلاقى هو وهي لقاءً حقيقيا، قد يُكلفه ترك الراحة، وإيثار التعب والحرمان.
وإلا كيف كان لنا أن نُصدِّق هذا الشاعر الملك الضليل، الذي رفضت نفسه جوار أبيه، وبانت منه؛لأن نفسه ترى شيئا آخرا هو صدى لها..الحرية البعيدة عن القصور والدور والغلمان وحراس القصور، لم تجدها في كل هذا؛ بل على رمال الصحراء،وبين أودية الجبال!
إنه الإيمان بالكلمة، والأديب، والوطن،وبالحرية، وبكرامة الإنسان الذي يجعل الشاعر يستقبل ذلك المصير، لكنه يعطيه القدرة على الشموخ، والوقوف أمام جلدات سجانه،وتعنت قبيلته،وعصبيات عشيرته.وكم شهدت بهذا أجساد شعراء كانت كلماتهم نارا عليهم يصطلون بها ليل نهار، وكم من زنازين طليت جدرانها بكلمات كان مدادها دماء هؤلاء الشعراء.تلك القصائد التي ولدت في ظروف عسرة، وارتبطت بتجربة شديدة الخصوصية هي تجربة القمع والاضطهاد، والجبس والتقييد، تلك القصائد الناجية من سياط التعذيب، ومِقْصلات السجون، وأعين الرصداء..هي موضوع هذا البحث الموسوم”الحرية في الشعر العربي..رحلة البحث عن الذات”.هذا، وسوف أختار نماذج محتلفة لعصور متفرقة،وشعراء متغايرين.ولتشعب الموضوع بين الفكري والسياسي، والنفسي، والفني.
Discussion about this post