#دراسات
قراءة في رواية “تيه في رحلة الحياة ” لنور الدين طاهري الصادرة حديثا تم طبع هذا العمل في بروكسيل۔
صادر عن: المجلس الأوروعربي للفكر والدراسات والترجمة CEAPET Édition.
الناقد المغربي عبد الرحيم التدلاوي
***
في محاولة مقاربة لوحة الغلاف:
تسيطر على الغلاف الأمامي صورة ضبابية لشخصية غامضة، تلوح في الأفق على خلفية رمادية باهتة. لا تكشف ملامح وجهها سوى جزء من الأنف والفم، وكأنهما نافذتان إلى عالم داخلي عميق ومعقد. ترتدي ثياباً سوداء واسعة تختفي فيها معالم جسدها، عدا قدم يسرى بارزة كأنها جذور متشابكة في الأرض. هذه الشخصية، رغم غموضها، تتجه مباشرة نحونا بعزم وتحدٍ، وكأنها تدعونا إلى الانغماس في عالمها المعتم. غياب التفاصيل يوحي بعمق المعاناة التي تحملها هذه الشخصية، ويترك للقارئ مساحة واسعة للتأويل والتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الغموض.
في محاولة تحليل العنوان:
• تيه في رحلة الحياة:
يشكل العنوان وحدة دلالية كاملة ويعكس حالة الإنسان المعاصر. في رحلة الحياة، كثيرًا ما يشعر الإنسان بالضياع، خاصة عندما تتغير الأمور بسرعة وتتزايد التحديات.
وهو رحلة اكتشاف الذات حيث يمكن اعتبار التجوال في هذا العنوان بمثابة رحلة استكشاف الذات، حين يحاول الإنسان فهم نفسه ومكانته في الكون.
الجانب النفسي:
يعكس التجوال الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان بين رغباته ومخاوفه، وبين ما يريده وما يفرضه عليه المجتمع.
وقد يشير الضياع إلى الأزمة الوجودية التي يمر بها الإنسان في مراحل حياته المختلفة عندما يتساءل عن معنى الحياة ومصيرها.
سرديا:
يحقق الإثارة والتشويق من حيث كونه يثير فضول القارئ، ويدفعه إلى معرفة السبب الذي دفع بطل الرواية إلى التجول.
يمنح العنوان الرواية، إذا، معنى رمزياً عميقاً، مما يسمح بتفسيرها على مستويات متعددة. يمكن أن يستوعب العنوان قصصاً مختلفة، فقد يكون التجوال مرتبطاً بأحداث خارجية أو صراعات داخلية. عنوان رواية “ضائع في رحلة الحياة” عنوان ذو دلالات غنية، يعكس التجربة الإنسانية الأساسية في البحث عن الهوية والمعنى في عالم دائم التغير. يمكن أن يكون هذا العنوان مدخلاً لاستكشاف العديد من القضايا الفلسفية والنفسية والاجتماعية، مما يجعل هذه الرواية عملاً أدبيًا فريدًا.
الرواية:
**
هي رحلة معاناة ومقاومة حيث تدور أحداث الرواية حول شخصية “محمد”، وهو مهاجر عربي يجد نفسه في قلب مأساة الهجرة غير الشرعية. تروي الرواية قصة كفاحه من أجل البقاء والحصول على حياة أفضل في بلد غريب.
شخصية محمد في الروائي:
لقد جعلت الرواية محمدا بطلا تراجيديا إذ بدا وكأنه خضع لاختبار الحياة القاسية مرات دون أن تتمكن من إسقاطه. فقد عاش الرجل ظروفًا عصيبة منذ انقطاعه عن الدراسة ووفاة أخيه يوسف، مرورًا بموت والده الذي نجح في تجارته، وخاصة في مجال التهريب. بعد وفاة والده، وجدت الأسرة نفسها في ظروف اقتصادية صعبة، ورغم أنه فكر في السير على نهج والده، إلا أن والدته منعته خوفًا من أن يفقد حياته كما فقدها والده.
محمد في رحلة الغربة
هرب محمد من واقعه الكئيب بالهجرة إلى الخارج، وكانت الرحلة محفوفة بالمخاطر. وصل إلى إسبانيا وعمل في البناء بشكل غير شرعي لفترة قبل أن يجد طريقه إلى فرنسا. عاش الغربة والمضايقات والحنين إلى الوطن رغم تخلفه في كل المجالات. في الغربة، كان ذهنه لا يتوقف عن التفكير، حيث كان يقيم مقارنة بين “الهنا” و”هناك”. تعرف على أليس وارتبط بها برباط الزواج، الذي أثمر ابنهما إبراهيم.
تحديات محمد
بعد فترة، أصيبت أليس بمرض خبيث أودى بحياتها، مما جعل محمد يتولى رعاية ابنه إبراهيم. بسبب ظروفه المادية الصعبة، اضطر للعودة إلى المغرب لتتولى والدته رعاية إبراهيم. لكن جائحة كورونا كانت له بالمرصاد، وخاصة أن الخدمة الصحية في المغرب كانت متردية، وهي نفس الخدمة التي كانت وراء وفاة أخيه يوسف. خلال مراسيم التعزية، أغمي على والدته لفترة. كما لا ينبغي نسيان تعرض محمد لرصاصة طائشة كادت تودي بحياته لولا لطف الله والرعاية الصحية الممتازة والعناية الطبية الفائقة.
الإرادة والأمل
رغم كل هذه المحن، لم تفل إرادة محمد ولم تطفئ جذوة الأمل في نفسه. قرر العودة إلى فرنسا حيث ظروف العيش أفضل وفرص العمل أوفر. الجميل في محمد أنه ظل متشبثًا بوطنه، وكان يناقش مع صديقه مصطفى واقع المغرب وأسباب تخلفه، مع التركيز على جودة التعليم كطريق للنهوض. مصطفى، المتعلم القادر على التكيف مع كل الظروف بفعل تعليمه الرفيع، كان له دور كبير في دعم محمد ومناقشة كيفية تحسين الأوضاع في المغرب.
هذه الشخصيات والأحداث ترسم صورة حية للتحديات التي يواجهها الأفراد في مجتمع معقد، وتعكس الأمل والإرادة في مواجهة الصعاب.
الرواية بين النقد والواقع
تندرج الرواية ضمن إطار الواقعية النقدية، حيث تسلط الضوء على واقع المغرب من خلال تعرية مشكلاته الاقتصادية والصحية والتعليمية. الرواية تُظهر بوضوح الأعطاب التي يعاني منها المجتمع المغربي في هذه المجالات، مما يعكس واقعًا مأزومًا يتطلب إصلاحات جذرية.
تقف الرواية عند واقع المغرب منتقدة بعد تشريح دقيق له:
الواقع الاقتصادي: تكشف الرواية عن التحديات الاقتصادية التي تواجهها المغرب، مثل البطالة والفقر وعدم التوزيع العادل للثروات. تعبر الرواية عن معاناة الأفراد والأسر نتيجة لهذه المشكلات الاقتصادية المزمنة.
– الواقع الصحي: تعالج الرواية القضايا المتعلقة بالخدمات الصحية المتردية، والتي تؤثر سلبًا على جودة حياة المواطنين. تبرز القصة معاناة المرضى بسبب نقص الإمكانيات والخدمات الطبية، مما يعكس واقعًا مؤلمًا يستدعي تحسينات كبيرة.
– الواقع التعليمي: تُظهر الرواية الاختلالات في النظام التعليمي، مثل ضعف البنية التحتية ونقص الموارد التعليمية. تُسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الطلاب والمعلمون في بيئة تعليمية غير ملائمة.
الروابط الاجتماعية كنقطة ضوء:
الروابط الأسرية والقبلية: على الرغم من المشكلات الاقتصادية والصحية والتعليمية، يظل الجانب الاجتماعي نقطة ضوء في الرواية. تُبرز القصة الروابط المتينة بين أفراد الأسرة والقبيلة، والتي تمنح الشخصيات القوة والدعم في مواجهة التحديات.
– الصداقة والعلاقات النقية: تُظهر الرواية أيضًا أهمية الصداقة النقية وصدق العلاقات بين الأفراد. هذه العلاقات تشكل دعمًا حيويًا يحمي المجتمع من التردي والانحدار.
دور الأسرة في تربية الأبناء:
تأثير الأب والأم: تلعب الأسرة دورًا محوريًا في تربية الأبناء تربية حسنة، ويتجسد هذا في نصائح الأم التي ظلت نبراسًا لمحمد، تنير له طريقه وتقيه من السقوط في الحرام. هذه التوجيهات الأسرية تعزز من قيمة الأخلاق وتساهم في بناء شخصيات قوية ومستقيمة.
يقرر محمد وعائلته في نهاية الرواية الانتقال إلى باريس بحثًا عن الراحة والاستقرار بعد الصعوبات التي واجهوها في المغرب. يواجهون تحديات جديدة، لكنهم مصممون على بناء حياة جديدة والاندماج في المجتمع الفرنسي. بينما يقف محمد أمام نافذة غرفته في باريس، يتأمل في الذكريات والمحن التي مر بها. يشعر بالسلام الداخلي، ويؤكد بثقة أن الأمل والتفاؤل سيظلان رفيقيه في بناء مستقبل أفضل. مع كل شروق شمس جديدة، يبدأ محمد فصلًا جديدًا في حياته، مليئًا بالأمل والتفاؤل، متجاوزًا كل التحديات التي واجهته في مسيرته.
زمن الرواية:
تنسج الرواية سجادة زمنية متقنة، حيث يتلاعب الكاتب بالزمن ليصوّر لنا عالمًا متعدد الأبعاد. في هذه الرواية، نجد أن البنية الزمنية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل تجربة القراءة. فمن خلال التنقل بين الماضي والحاضر والمستقبل، نستكشف أعماق شخصية محمد ونفهم دوافعه. نرى كيف أن ذكريات طفولته في القرية، التي يسترجعها في الفصل الثالث، تشكل حاضرَه وحلمه بالسفر. كما أن القفزات الزمنية السريعة تساعدنا على تتبع تطور الأحداث بشكل ديناميكي، فنجد أنفسنا ننتقل من لحظات الهدوء والاستقرار إلى لحظات الصراع والتغيير. هذا التلاعب بالزمن يعزز من عمق الرواية ويجعلنا نشعر بأننا جزء من عالمها المتشابك.
تستخدم تقنية الاسترجاع في هذه الرواية لتعميق تعاطف القارئ مع شخصية محمد، حيث نرى كيف أن تجاربه السابقة شكلت شخصيته وأفكاره الحالية. وبه نستكشف مع محمد ذكريات طفولته، فنجد أن ماضيه يشكل حاضرَه.
في الفصل الثالث، نجد محمدًا يسترجع ذكرياته عن القرية أثناء جلوسه تحت شجرة التين القديمة، تمامًا كما كان يفعل في طفولته.
تنتقل بنا الرواية من خلال تقنية القفزات الزمنية عبر الزمن، فتارةً نجد أنفسنا في الماضي وتارة أخرى في المستقبل.
المكان:
المكان في الرواية ليس مجرد خلفية للأحداث، بل هو شخصية بحد ذاته. فهو يشكل هوية الشخصيات، ويؤثر في مشاعرهن، ويشكل جزءًا لا يتجزأ من الحبكة.
يرسم الكاتب في الوصف الجغرافي لوحات حية للأماكن، فنرى الشوارع مزدحمة، والقرية هادئة، وكأننا هناك.
المكان كرمز، فالقرية تمثل ملاذ الأمان والحنين إلى الماضي.
تظهر القرية في الرواية كحاضنة للمجتمع، حيث تتجمع العائلات حول البئر لتبادل الأحاديث.
تُستخدم القرية في هذه الرواية كرمز للبراءة والبساطة، في حين تمثل المدينة عالمًا معقدًا مليئًا بالتحديات. هذا التناقض يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه البطل.
المكان في الرواية ليس مجرد خلفية للأحداث، بل هو شخصية بحد ذاته. فمن خلال وصفه الدقيق للأماكن، يرسم الكاتب لوحات حية تجعلنا نشعر وكأننا نسير في شوارع المدينة أو نجلس في ساحة القرية. القرية هنا تمثل ملاذ الأمان والحنين إلى الماضي، في حين تجسد المدينة وخاصة باريس عالمًا معقدًا مليئًا بالتحديات. هذا التناقض بين المكانين يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه البطل محمد. ففي القرية، يشعر بالانتماء والراحة، بينما في المدينة يشعر بالغربة والوحدة. هذا التباين في المشاعر ليس عشوائيًا، بل هو جزء من رؤية الكاتب التي تهدف إلى تسليط الضوء على تأثير المكان على نفسية الإنسان وتطوره.
محاولة مقاربة شخصية محمد:
يمكننا استخلاص بعض السمات الرئيسية لشخصية محمد:
الشخصية المتأثرة: يتأثر محمد بشكل كبير بالأحداث التي يمر بها، فهو يعاني من صدمات عاطفية عميقة بسبب فقدان أحبائه.
القوي داخليًا: على الرغم من الألم والمعاناة، يظهر محمد قوة داخلية تمكنه من مواجهة الصعاب والاستمرار في الحياة.
الحنون والعاطفي: يتضح من علاقته بإبراهيم وزوجته أليس أنه شخص حنون وعاطفي يهتم بمن يحب.
المؤمن: يظهر إيمان محمد بالقدر وقدرة الله على مساعدته في تجاوز المحن.
الواقعي: يدرك محمد أن الحياة مليئة بالتحديات والصعوبات، ويتعامل معها بواقعية.
المرونة: يستطيع محمد التكيف مع التغيرات والتحديات التي تواجهه في الحياة.
الأمل: رغم كل ما يمر به، يبقى محمد متمسكًا بالأمل في مستقبل أفضل.
تطور الشخصية
: في بداية القصة: يظهر محمد كشخص سعيد ومتفائل، ولكن مع وفاة زوجته وابنه، يتحول إلى شخص حزين ومحبط.
خلال الأحداث: يمر محمد بمرحلة من اليأس والاكتئاب، ولكنه يستعيد قوته تدريجيًا ويبدأ في البحث عن معنى جديد للحياة.
في النهاية: يصبح محمد شخصية أقوى وأكثر نضجًا، قادرًا على مواجهة التحديات والتمسك بالأمل. العوامل المؤثرة في شخصية محمد:
الأحداث المؤلمة: وفاة زوجته وابنه هي أكبر الصدمات التي تعرض لها محمد، وقد شكلت شخصيته بشكل كبير.
الدعم العائلي: دعم أمه وأصدقائه له كان له دور كبير في مساعدته على تجاوز محنته.
الإيمان: إيمانه بالله وبالقدر ساعدته على تحمل الصعاب والبحث عن الأمل.
دور الشخصية في الرواية:
الشخصية المحورية:
محمد هو الشخصية المحورية في الرواية، حيث تدور الأحداث حوله وتتبع تطوره.
رمز الأمل: يمثل محمد رمزًا للأمل والإصرار على الحياة، حتى في أصعب الظروف
. مقارنة مع شخصيات أخرى مع أليس: كانت أليس شخصية قوية وملهمة، بينما كان محمد أكثر عرضة للضعف في بداية القصة.
مقارنة مع إبراهيم: يمثل إبراهيم رمز البراءة والنقاء، بينما يمثل محمد الصراع بين الحياة والموت. باختصار، شخصية محمد هي شخصية معقدة ومتعددة الأبعاد. تتطور شخصيته بشكل كبير على مدار القصة، وتمر بعدة مراحل من الحزن والألم والأمل. إنه نموذج لشخص يواجه تحديات الحياة بصبر وقوة، ويبحث عن معنى للحياة حتى في أصعب الظروف.
شخصية مصطفى:
هو العنصر المساعد الذي قدم يد العون لمحمد وجعله يتكيف مع وسطه الجديد، وهو الذي كان له السند في محنه المتعددة وبالأخص محنة موت الزوجة والابن. رجل مثقف يدرك واقعه المغربي والفرنسي، ويحللهما بعقلانية وحسن تبصر، ويمتلك من خلال ثقافته وتعلمه الجيد القدرة على التكيف مع أي وسط يوضع فيه.
كارين: زوجة مصطفى فبعد رحلة حب ارتبطا برباط الزوجية المقدس، لعبت هي الأخرى دورا مهما في مساندة محمد وكانت العون له، وتمكنت من خلال دعمها إخراجه من حزنه.
دور أليس والأب والأم في بناء شخصية محمد:
تبرز في الرواية، شخصيات الأب والأم وأليس كأركان أساسية تؤطر حياة محمد وتضيء صراعاته الداخلية والخارجية. هذه الشخصيات، رغم اختلاف أدوارها، تشكل معا لوحة معقدة من التأثيرات التي تصوغ وعيه وتوجهاته.
الأب، بشخصيته القوية وموته المأساوي على الحدود، يُمثّل البُعد المأساوي والجوهري في تكوين محمد. مقتل الأب على يد جنود الدولة الجزائرية يُخلّف جرحا عميقا في ذاته، ويصبح رمزا لفقدان العدالة في العالم من حوله. هذا الحدث ليس مجرد نقطة ألم في حياة محمد، بل هو جذوة تذكي بداخله تساؤلات كبرى عن الظلم والعدالة والكرامة. يبقى الأب حضورا مؤثرا رغم غيابه، كرجل قضى حياته مدافعا عن قيم العزة، ليترك لمحمد إرثا أخلاقيا وثقافيا يصعب تجاوزه.
أما الأم، فهي الرابط العاطفي الأقوى والأكثر استمرارية في حياة محمد. تمثل دور الحاضنة للقيم والتقاليد التي تحاول أن تظل ثابتة رغم عواصف الهجرة والتغيرات. هي تجسيد للأمان، صوت الجذور العميقة التي تستمر في نداء محمد، حتى وهو بعيد جسديا عنها. رغم استقلاله كزوج ومهاجر، إلا أن الأم تذكّره دائما بقيم الأسرة والوفاء، مستمرة في لعب دور المرشد العاطفي الذي لا ينفصل عن إرث الماضي.
على النقيض، تأتي أليس، الزوجة، كنافذة على عالم جديد ومختلف. هي الأفق الرحب الذي يتحدى محمد، ويدفعه للتساؤل عن نفسه وهويته. في علاقتها به، يتجلّى صراع بين انفتاح على ثقافة الآخر وبين تشبثه بجذوره التي يمثلها الأب والأم. أليس، بطبيعتها الثقافية المختلفة، تطرح عليه أسئلة معقدة عن الانتماء والاندماج، فتتحول من شريكة إلى مرآة تعكس تناقضاته وتعمق من صراعه الداخلي.
هذه الشخصيات الثلاثة ليست فقط عناصر سردية، بل تمثل مستويات رمزية للارتباط والتحدي. الأب هو رمز التضحية والعدالة الضائعة، الأم هي صوت الماضي وجذوره، بينما أليس هي الحاضر المتغير الذي يثير الحيرة والاضطراب. هذا التشابك يجعل من حياة محمد مزيجا فريدا بين الحنين والمواجهة، بين ما فقده وما يسعى لفهمه.
الرواية، من خلال هذه العلاقات، تنجح في استعراض جدلية الهوية والاغتراب، لتكشف عن معاناة الإنسان المهاجر بين ماضٍ يلاحقه وحاضر يطلب منه إعادة تعريف ذاته. إنها رحلة في أعماق الروح، حيث الشخصيات ليست مجرد أفراد في حياة محمد، بل رموز لصراعات إنسانية أبدية حول الحب، الانتماء، والتحولات التي تعيد تشكيل وجود الإنسان.
تقدم الرواية صورة نقدية شاملة لواقع المغرب، مسلطة الضوء على المشكلات الاقتصادية والصحية والتعليمية، مع التركيز على أهمية الروابط الاجتماعية والأسرة في مواجهة هذه التحديات. تبرز الرواية كيف يمكن للعلاقات القوية والمبنية على الصدق والصداقة أن تكون الدعامة الأساسية لمجتمع يواجه صعوبات متعددة، وكيف يمكن لتوجيهات الأسرة أن تكون نبراسًا للأبناء في مسيرتهم نحو حياة أفضل.
هذه الرواية ما هي إلا تعبير عن رحلة مؤثرة في حياة مهاجر واحد، ولكنها في نفس الوقت تعكس تجارب ملايين المهاجرين حول العالم. وتسلط الضوء على الجانب المظلم للهجرة، ولكنها أيضًا تبرز قوة الإرادة البشرية وقدرة الإنسان على التكيف والتأقلم مع الظروف الصعبة.
Discussion about this post