(القَاْتُ) الشجَرَةُ المُباركة ُالمُقدّسَة
(القاتُ قوتُ القُلوبِ الصالحةِ) مثلٌ يمني يجعلُ للقات مضمونًا أخلاقيًّا دينيًّا عقائديًًا؛ هو الأساس لشهرته وسببٌ في شيوعِ استعماله، فالاعتقاد السائد عند الناسِ في البدء أنّ القاتَ يمدّ متعاطيه بقوة روحانية تقربه من الله فهو” ملك أشجار الدنيا بالاتفاق، وسلطانها على الإطلاق”، وعبادة الأمم للأشجار قديمة وتقدسيهم لبعضها أمر معروف.
ووجودُ شجرة القات قديم في الزمن، وهي من أشجار الله قبل أن يخلق الأرض إذ هو “قديم من عهد آدم ومن شجر الجنة التي تُدحر بها الشياطين والجن”، وليست الأساطير اليمنية إلا توثيقًا لعمّال الجن والسحر والكائنات المُهجّنة والجبال، والأشجار التي تلدُ البشر ويعيش عليها الجرجوف، وتغدو بعض الأشجار وثمارها أو أغصانها مباركة وهي وقاية من الأمراض واللعنات والعين والشياطين، وتتخذ من بعضها تمائم إلى يومنا. “ولما دخل ذو القرنين الحبشة (إثيوبيا) وجد فيها الوباء والجانّ، فقال العلماء: لا يزيل ذلك إلا شجرة تسمى (الشاي صيني)، وكان الخضر مع القوم فغاب قليلًا، وأتى بها” القات.
أمّا كَيف هبطت إلى الأرض؟… فالسرديات الشفهية اليمنية تبتدعُ أكثر من رواية لتنزيل القاتِ وشجرته مكانة عالية ” وإن شئت معرفة سبقه فإنّه نزل من الجنة إلى الأرض إذ بصق آدم بقية ما في فيه من أشجار الجنة فأنبتت هذه الشجرة”. والرواية الأخرى تؤكد أنّ شجرة القات أنزلها بمعجزة ملاك بعثه الله إلى اثنين من أوليائه الصالحين المتصوفة ودلهما عليها؛ لأن النعاس كان يغلبهما عن الاجتهاد في العبادة ليلًا ومناجاة الخالق.
والقات في عُرف المتصوّفة اليمنيين يورثُ في القلب رِقة وسكينة، وراحة وتجعل المرء على يقين وصواب، فهذا نجاشي الحبشة خالف قومه في معتقدهم وتعاطف مع المهاجرين الأوائل من المسلمين رغم مكائد قومه وكفار قريش بقيادة الداهية عمرو بن العاص لأنه كان يأكل من شجرة القات التي أطلعه عليها الخضر عليه السلام “فأكل منها، فأورثته الرِّقّة، فآمن قبل البعثة”.
وفي القات أوراق لها خطوط مشتبكة عجيبة، ولها معانٍ عند المتواجدين مع الله وقد نُقل عن بعض أولياء الكشف أنّ فيها “رُسم اسم الله الأعظم وهذا سر مكتوم وعند أهله معلوم “. وثمة رواية تتحدث عن معجزة بنزول ملاكٍ من السماء ودلّ اثنين من الصوفيين المسلمين إلى نبات القات ليمنع عنهما النعاس”. وجاء الخضر (الرجل الذي لن يموت) من جبل القاف وهو جبل أسطوري مذكور في القرآن الكريم وأعطى القات لذي القرنين كقوت للأتقياء في بلاد اليمن”.
ولقد ارتبطت بدايات القات وانتشاره أول الأمر بالأتقياء الذين يساعدهم في التقرب من خالقهم فكان شجرتهم المقدسة والمباركة واقترن بالبُن في مجالس الذكر الصوفية عند أبرزهم في اليمن الأسفل وينسب للشيخ علي بن عمر الشاذلي أنه ” أحضر معه كلا النباتين: القات والبُن إلى المخا في الفترة نفسها وكان يُكنّى بأبي زهرتين”، ويقترن اسم الصوفي المشهور علي الشاذلي بأنه المؤسس لمدينة المخا (1442) ومينائها على البحر الأحمر واشتهرت بتصدير البُن من اليمن وعرف باسم Moka coffee) ) ،كما يروى أن الصوفي المشهور في اليمن أحمد بن علوان في القرن 13 الميلادي المشهور بطريقته وثورته ” رفض شرب الخمر وحبّذ القات بدلًا منه، واعتبر تناول القات طريقة مثالية للتخلص من الخمر والابتعاد عنه”.
وينقل المعلمي عن الولي بن الولي عمر بن علي الشاذلي في رسالته:” سمعت بعض أولياء الكشف يقول: والقات يقطع الوسواس، ويهزم جنود النعاس، ويظهر الأنوار، ويحفظ الأسرار، وقد أجمع المحققون أن ليس فيه من التحريم شيء”
وللحديث بقية عن
( القات شجرة الشيطان الخبيثة)
مجيب الرحمن الوصابي
.
Discussion about this post