بقلم بوخالفة كريم -الجزائر
مسؤوليّة الفرد من مسؤولية المجتمع
كثير منا يتوجه باللوم و العتاب و الإنتقاد إلى الشباب الطائش و المنحرف عن الطريق الذي يرضاه المجتمع .
كلما ظهرت موجة من موجات العنف الناتج عن تفاعل شباب خرجوا عن القوانين الاجتماعية الملزمة للفرد و الجماعة باتباعها.
حاول هذا المجتمع معاقبتهم بشتى الطرق و الوسائل المتاحة.
و لا يختلف اثنان في كون مجتمعنا العربي يعاني فيه الشباب من كل أنواع الحرمان و التشرد و الإقصاء و التهميش،الذي يعتبر أحد الأسباب المؤدية إلى الخروج عن الخطوط الحمراء التي سطرها المجتمع التقليدي و العصري .
إن مختلف ظواهر انحراف الشباب لها مبررات و أسباب، و لا يجوز لنا من المنظور العلمي أن نتجه بالضرورة باللوم و العتاب إلى ذلك الشخص الذي يعتبر ضحية لمجموعة من الأفعال الإجتماعية في علاقته مع الأفراد أو الجماعات داخل المجتمع.
و تعتبر كثير من المؤسسات الاجتماعية مسؤولة عن تكوين الفرد و تنشئته تنشئة سليمة من أجل إعداده فردا منتجا و فاعلا في المستقبل.
فالطفل الذي يولد في أسرة ميسورة تتوفر فيها الشروط الكافية و اللازمة لتربيته و إعداده بشكل جيد.
ثم يلج بعد ذلك في إطار التمدرس ،مؤسسات تعليمية تقوم بأدوارها كاملة من أجل استكمال تلك التنشئة التي بدأتها المؤسسة الأولى للتنشئة الإجتماعية.
بحيث تؤمن و تضمن له ذلك الانتقال السليم لاستقبال مختلف القيم و التقاليد المميزة للمجتمع. بالإضافة إلى حرصها على صقل مواهبة و تحفيزه على الابتكار و البحث و التقصي و إكسابه القدرة على حل المشكلات.
فمن المنظور الوظيفي البنائي لا يمكن إلا أن تساهم هذه المؤسسات في تكوين ذلك الفرد التكوين الاجتماعي الذي يجعل منه شخصا مقبولا في وسطه راضيا عن نفسه .
لكن عندما نجد أن إحدى المؤسسات الاجتماعية التي أوكلت إليها تربية الأطفال. و بعذ ذلك تكوين الشباب و تقويم سلوكاته. قد فرطت كل التفريط في مهمتها.
حينها لا يمكن إلا أن يكون الشباب المهمل خلال إحدى محطات تكوينه كرونولوجيا. ضحية الإهمال و التعسف في تربيته و تكوينه.
و اليوم الأسر الجزائرية مطالبة أكثر من أي وقت مضى على أخذ الحيطة و الحذر فيما يتعلق بتربية أبنائها ،باعتبارها المسؤول عن المهمة الجسيمة المتمثلة في إعداد النشء. حتى بعد مغادرة الطفل أو الشاب للمدرسة.
فالأسرة هي التي تؤدي الثمن في كل الأحوال.
عندما ينحرف الشباب بتعاطيهم للمخدرات أو السكر العلني أو عندما يحترفون السرقة و الإجرام.
أو عندما تنحرف الفتيات و تزغن كل الزيغ عن طريق سطره المجتمع و ارتضاه منهجا قويما وجب أن يتبعه النشء.
فالشابات اللواتي يقعن ضحية ضمن شبكة تمارس كل أنواع الممنوعات ماظهر منها وما بطن. فإنهن قد يجدن أنفسهن قد ضللن الطريق، و ربما يصعب عليهن إيجاد حلول ملائمة من أجل أن تلتئم جروحهن في المستقبل.
إن التحول الذي عرفه مجتمعنا على المستوى الديمغرافي و انفتاحه على ثقافات جديدة ،
أثر بشكل كبير على بنيته و تكوين أفراده.
في زمن فرضت عليه العولمة و التكنولوجيات الجديدة ،أصبح ملزما باستيراد كل شيء من الخارج من الأكل إلى اللباس. و حتى اللعب التي نسلي بها أطفالنا.
في زمن التحول بامتياز،أصبح لزاما علينا استيراد الرموز و الإشارات و أشكال التفاعلات الاجتماعية.
حتى طريقة لباسنا و نمط ضحكتنا و نظرتنا في إطار الموضة،أصبحنا ملزمين بتغييرها في عالم فرض علينا فيه كمجتمع نام كل شيء.
و هذا يعني بأن مهمة تربية وإعداد النشء. أصبحت من الصعوبة بماكان.
من هنا نتساءل و التساؤل مشروع في كل المحطات السوسيولوجية ، هل هيأت الدولة الجزائرية نفسها للوضع الجديد المتمثل في انتقال ثقافة غربية غريبة على مجتمع نام محافظ. من أجل فلترة تلك الثقافات الواردة من الخارج ؟
عن طريق تصحيحها بواسطة برامج اجتماعية معدة خصيصا لهذا الغرض.
و يمكن أن نلمح كمثال على ذلك ما عرفه المجتمع الأمريكي و تحديدا في مدينة شيكاغو خلال مطلع القرن العشرين بعد انتشار ظواهر الانحراف و مشاكل صعوبة تأقلم المهاجرين من بلدان أخرى داخل المدينة.
الأمر الذي دفع علماء الاجتماع الأمريكين المنتسبين إلى مدرسة شيكاغو من خلال طرق بحثهم الامبريقية الجديدة.
أمثال. روبرت إزرا بارك. و توماس و لويس ويرث و ماكنزي و غيرهم. فكرسوا كل جهودهم السوسيولوجية من أجل دراسة الظواهر الجديدة التي ظهرت بمجتمعهم.
و هذا يجعلنا على الأقل نتلمس براغماتية الدراسات الاجتماعية في السوسيولوجيا.
و هو ما سنجد جون ديوي قد ركز عليه في مقاربته البراغماتية للتربية.
فالسوسيولوجيا ليست مهمتها التنظير و صنع النظريات الاجتماعية. بقدر ما هي مطالبة بربط مجال التنظير بالتطبيق.
و هنا تكمن صعوبة المختص في المجال السوسيولوجي الذي يجد نفسه وجها لوجه مع المجتمع و مختلف معضلاته.
إن ما تفتقر إليه المجتمعات العربية هو الطرق و الاستراتيجيات التي تنهجها لمواجهة مختلف ظواهر الانحراف . و نعني بذلك انحراف الفرد بصفته فاعلا اجتماعيا عن دستور المجتمع.
و نهجه لسلوكات تعتبر محظورة و منبوذة في المجتمع الذي يعيش فيه.
فغالبا ما نجد الدراسات السوسيولوجية التي تعمل في المجتمعات النامية تبقى حبيسة الرفوف و الكتب و لا يتم تطبيقها على أرض الواقع .
فإذا قمنا مثلا ببحث بسيط على الانترنت سنجد العديد من البحوث الجامعية و الدراسات الجزائرية المحترمة التي سهر على إنجازها إما طلبة باحثين أو أساتذة السوسيولوجيا التابعين إلى مختلف الجامعات الجزائرية
و عندما نحاول أن نسائل تلك الدراسات من منظور إمبريقي فقد لا نجد ذلك الخيط الناظم بين الدراسة و الواقع الذي تتخمر و تتضخم فيه الأفعال الاجتماعية بشكل كبير و تتطور بشكل ملفت للنظر.
الأمر الذي يجعلنا نتأسف كل الأسف على علم الاجتماع العربي إن صح التعبير و جاز لنا نعته بهذا الإسم.
لماذا كل هذا الأسف؟
. فعندما تجد مجتمعا تدرس فيه السوسيولوجيا و يعج بظواهر اجتماعية سلبية.تم تكمن المفارقة. و يصعب تحليل الإشكال لفهم ما يحدث.
فإن كان لا بد لكل لمجتمع من ظواهر اجتماعية من منظور دوركايمي. فليس بالضرورة أن يحترف المجتمع الظواهر السلبية . التي تجعله منحرفا كل الانحراف عن طريق التنمية.
فمن دون شك. وجود ما يفوق خمس واربعين من الأفراد في مجتمع كالجزائر،بالإضافة إلى مختلف المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تسهر على تنظيم حياة البشر.
لا يمكن أن تشفع بالضرورة للمجتمع بأن يتخطى المشاكل التي تعرقل التنمية لديه.
إذن تبقى نوعية الوظائف التي تؤديها تلك المؤسسات و طبيعة الروابط و العلاقات التي تؤسس التفاعل بين الأفراد داخل المجتمع إحدى المحددات الضرورية لحدوث التغير الاجتماعي في المنحى الإيجابي.
فمثلا من منظور فيزيائي لكي نعزل الملح عن الماء المالح.
يلزمنا فهم ما يحدث خلال هذه الظاهرة الفيزيائية. على الأقل في الطبيعة ،عندما يتبخر الماء في الجو تاركا وراءه كمية من الملح.
و هذا يعني أنه لا بد من توفر ظروف معينة للحصول على الملح كنتيجة من نواتج التفاعل الفيزيائي.
بدون توفر درجة حرارة معينة لا يمكننا البتة فصل مكونات خليط متجانس مكون من الملح و الماء.
عندما تحصر الدولة دور السوسيولوجي في أن يحلل لها الظواهر الاجتماعية. سياسيا مثلا كما يفعل العديد من الأساتذة الجامعيين. الذين يتعاملون مع القنوات الإعلامية الجزائرية،فيوظفون خبراتهم و قدراتهم الفكرية ليقدموا تفسيرات للناس يعتبرها البعض كفتوى وجب الالتزام بها.
في هذه الحالة يصبح عالم الاجتماع في المجتمع النامي مفروضا عليه أن يتبنى خطابا مسيسا و إيديولوجيا حيال الظواهر الاجتماعية التي تفاجأ بها المجتمعات العربية.
لا يمكن القضاء على الجهل إلا بنقيضه العلم و المرض إلا بالبحث على سبل العلاج.
و هذا يعني لا يمكن القضاء على ظاهرة انحراف الشباب إلا بالبحث العلمي و تطبيق نتائجه على أرض الواقع.
و لا يمكن أن تعتبر المقاربة الأمنية البوليسية و الشجب المجتمعي للظواهر الاجتماعية السلبية بطريقة جمعية و موسمية هي الحل الناجع لها.
إن المجتمع الذي لا تبنى قواعده على أسس علمية قوية.
و لا يبحث في مكامن تخلفه باستمرار فإن شأنه شأن السفينة الموشكة على الغرق في بحر الظلمات.
Discussion about this post