من كتابي : ألفاظ ومعان
د.رفعت شميس.
لفظة أم ..
مثلما كان من مدلولات لفظة أب : السيد – الرب – عالي الشأن – الكبير فإن لفظة أم لا تقل عنها شأناً . وإذا كنا نقول : ” الوالدان – الأبوان : للدلالة على الأب والأم معا مستخدمين صيغة التذكير فهذا لا يقلل من شأن لفظة أم . ونجد أن اللفظة – لفظة أم – متداولة بشكل متقارب في لغات عديدة كما مرّ معنا في حديثنا عن لفظة أب .
ونجد أن حرف الميم يكاد يكون في أغلب اللغات التي نقرأ فيها المدلول اللفظي ( أم ) .
فعدا عن لفظة ( ماما ) التي تستخدمها لغات كثيرة قديمة وحديثة . نجد لفظة أم تتكرر مع اختلاف في النطق في لغات كثيرة .
في ا لأكادية والبابلية والآشورية القديمة : آمون – آمو AMOON – AMO وتعني الأم .وكانت الآلهة أنثى عند شعوب عديدة .
في الآشورية الحديثة : يمّا . إمَا وهنا لا تعني الأم فقط وإنما الوطن أيضا . والديار – والبلد ومسقط الرأس .
في اللغة الآرامية إمو Emo – إما Emma وكذلك في السريانية .
في العبرية : إم אמא و إما وفي اللغة اليمنية القديمة والحبشية نجد أن الميم تحولت إلى نون ولا عجب في ذلك فحرفا النون والميم هما حرفان متقابلان متبادلان في الكثير من اللغات ونقرأ في الحبشية . إنا – انّات ENA – ANNET بمعنى أم.
وفي اللغة التركية استخدمت لفظة آنَي بتشديد النون ANNE بمعنى أم .
وربما انتقلت اليهم من الحبشية إلا أن هذا ليس ثابتا كما أن لفظة : حنّا – هنَا – حنان – وذاتها في اللاتينية جون و جان . وكلها تعني الحنان . هي لفظة مأخوذة بالأصل من العبرية واعتقد ان ثمة علاقة قوية بين لفظتي حنا وام ، وكانت والدة السيدة البتول – جدة السيد المسيح تدعى ( حنَه ) وتلفظ بالعبرية تماما كما يلفظ الأتراك اسم الأم = ANNE .
ولها أشكال أخرى أيضاً مثل آن و هانا و أنا و آني و آنيت…
ولما كانت الأم قد ارتبطت بالحنان ( انها الأم ، في البشر وعند الثدييات من الحيوان وعند أغلب الكائنات الحية ) فلا استبعد شخصيا أن الحبشيين استخدموا لفظة حنان العبرية للدلالة على الأم . ومما يؤكد ذلك أن كثير من الاسماء انما أطلقت على مسمياتها لسبب في أصلها أو شكلها أو آلتها . ولا استبعد أن لفظة ANNE قد أخذها الأتراك لاحقا ولا سيما أن كلمة أم في التركية أيضا بعيدة كل البعد عن أغلب اللغات فهي veya وتلفظ فيا .
في معاجم اللغة نجد أن لفظة أم تأخذ الكثير من المدلولات وكلها تعني السيادة – الأصل – الأساس – وصولا إلى معنى الربة الآلهة حيث نجد الربة إنانا (1) وهي ربة الخصب والتكاثر هي ذاتها الربة عشتار ، فنقرأ مثلا : أمَّ الناس بتشديد الميم أي صار إمامهم . والإمام : من يقتدي به الناس وله الصدارة . والأمام = المقدمة – الصدارة .الا اننا لا نجد في معاجم اللغة العربية اي توسع وبحث في اصل اللفظة.
وأقول : أم + ة أمة : وتعني الاطار العام الذي يحتضن أو يحيط أو يجمع عددا صغيرا أو كبيرا من كائنات تنتمي لجنس واحد أو نمط واحد .كأن نقول : الأمة العربية – الأمة السورية وكذلك الأفراد البشريون الذين ينتمون إلى وطن محدد . ونقول : أمة محمد = المسلمون . أم المعارك = المعركة العظمى = الكبرى = الفاصلة ، ونقول : أم الكتاب = الفاتحة . ونقول اللغة الأم أي اللغة الأولى التي تعلمها الانسان أو بتعبير أكثر دقة اللغة التي كونت الفكر . والفكر يكون مرتكزا اليها . فتكون لغة التفكير والخيال والحوار الداخلي والتخيل والتصور الخ . .. فإذا تعلم الانسان لغة أخرى واتقنها جيدا وصار يفكر – يحلم – يتخيل مستخدما ألفاظها ومعانيها صارت هي اللغة الأم عنده ، بقي أن نذكر أن أم تجمع جمعا مؤنثا سالما على أمّات ، وأمهات (2) وذهب البعض من النحويين وكما أدرجنا في الهامش إلى أن ” أمات ” جمع أم لغير العاقل بينما ” أمهات ” فهي جمع أم للعاقل ، وأنا أرى أن ذلك محض اجتهاد ، فاللفظة بالأساس ” أمَّات ” للعاقل ولغير العاقل ، وجاءت الهاء للزيادة في ” أمهات ” وأعتقد أن سبب الزيادة كراهة التقارب مع لفظة الموت ، وفي العربية كما في لغات أخرى كالفارسية والكردية الكثير من الالفاظ التي يزاد فيها حرف إذ أضافوا الواو تحببا أو تحقيرا ، كما في حسن قالوا : حسنو ، وفي مريم : مريمو ، أما كلمة أمة فقد جمعت على أمم ، وفي القرآن الكريم : وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ. أمم جمع أمة للعاقل ولغير العاقل ..
من كتابي : ألفاظ ومعان .
=================
(1) : إنانا هي إلهة بلاد الرافدين القديمة المرتبطة بالحب والجمال والجنس والرغبة والخصوبة والحرب والعدالة والسلطة السياسية. كانت تعبد في الأصل في سومر وعبدها لاحقًا الأكاديون والبابليون والآشوريون تحت اسم عشتار. كانت تُعرف باسم “ملكة السماء” وكانت ربة معبد إينا في مدينة الوركاء، والتي كانت لها مركز عبادة رئيسية.
(2) جـاءَ في لِسان ِالعَـرَب لابن ِمَنظـُور :
( “أُمُّ ” الشَّيءِ أَصْلهُ ، و”الأُمُّ” و”الأُمَّه “ُالوالِدَة ُ والجَـمْعُ “أُمَّـات” و”أُمَّهـات”
وقـالَ بعْـضُهُم : ” الأُمَّهاتُ” فيْمَنْ يَعْقِـلُ ، و” الأُمّاتُ ” فيْمَنْ لا يَعْقِـلُ ؛
فالأُمََّهاتُ للنـَّاس ِ والأُمَّـاتُ للبَهَـائِم ِ) ..
وقـالَ الأَزْهَـرِيُّ في ” تهْذيْبِ اللُّغةِ ” :
( يُقـالُ في جَمْعِ ِالأُمِّ مِنْ غيْرِ ِالآدَمِيِّين ” أُمَّاتٌ “، وأَمَّا بَنـاتُ آدَمَ فـ “أُمَّهاتٌ”
، وزِيدَتِ الهاءُ في أُمَّهاتٍ لتكونَ فـَرْقـاً بَيْنَ بَنـاتِ آدَمَ وسـائِرِ ِالحَيَــوانِ ِ ).
وقـالَ ابنُ جنِّي:
( كَـثـُرَ في النـَّاس ِ”أُمَّهَاتٌ” وفي غيْر ِالنـَّاس ِ”أُمَّـاتٌ “؛ للفـَرْق ِ) .
وقـالَ الفـَرَّاءُ :
(مَنْ قـالَ : ” أمّ ” قـالَ في الجَـمْع ِ:” أمَّـات”، ومَنْ قـالَ : ” أمَّه”
قـالَ في الجَـمْع ِ: ” أمَّهـات” ) .
وقـالَ ابنُ كِيْسان:
( يُقــالُ : ” أُمّ ” وهي الأصْـلُ ، ومِنهُم مَنْ يقــُولُ : “أُمّه “،
ومِنهُم مَنْ يقــُولُ : ” أُمّهه” .. وأَنْشَـدَ:
تَقَبَّلْتـُها عَنْ أُمَّةٍ لكَ طـالـَما : تُنوزِع َفي الأَسْـواق ِعنها خِمــارُها
يُريْـدُ : “عَنْ أُم لكَ “، فألحَـقـَها تاءَ التـأنيْث ِ ) .
قـالَ الأَزْهَـرِيُّ في ” تهْذيْبِ اللُّغةِ :
( ويقـولُ بعْـضُهُم في تَصغير ” أُمّ ” : ” أمَيْمَة ” ، والصَّوابُ : ” أُمَيْهَة ” ،
تـُرَدُّ إلى أصْـل ِتأسِـيْسِـها ، ومَنْ قـالَ :” أمَيْمَة” صَغـَّرَها على لـَفـْظِـها
، وهم الذيْنَ يقـُولـُونَ ” أمّات ” ) .
و في التـَّاج ِ للزُبَيْـدِي :
( قـالَ المُبَـرِّد ِ:
الهاءُ مِنْ حُـروفِ الزِّيـادَةِ ، وهي مَزيْدَة ٌفي “الأُمَّهـاتِ”، والأصْلُ ” الأُم ”
وهو القَصْـدُ ، قــالَ أَبو مَنصُور:
وهَـذا هو الصَّـوابُ لأَنَّ الهـاءَ مَزيْـدَة ٌفـي الأُمَّهات) .
وقـالَ الجُوهَريّ في ” الصِّحاح ” ، والرَّازي في “مُختـار ِالصِّحـاح :
أَصْلُ “الأُمّ ” : ” أُمّهه” ، ولذلك تُـجْمَعُ علـى “أُمَّهـات”)
والصَّحِـيْح الـذي أقـَرَّهُ الكَـثيْـرونَ مِن أهْـل ِ اللـُّغـَة ِهُـو :
جََـوازُ هَـذا الجَـمْع ِ أو ذاكَ ، فلـَكَ أنْ تقــُولَ :
(الأمَّهـــات ) أو ( الأمَّـــات ) على حَــدٍّ سَــواء ٍ ؛ فكِـلاهُـما جــائِـزٌ ..
قـالَ ابنُ سِـيْدَه في ” المُخَصَّص “:
( وإنْ سُمِّيَتِ المَرأة ُ بـ ” أُمِّ ” ثـُمَّ جُمِعَـتْ جـاز” أُمَّهَـاتٌ” و” أُمَّـاتٌ ” ؛
لأنَّ العَـرَبَ قـَدْ جَـمَعَـتها على هَـذيْن ِالوَجْهَيْن ِ.. قـالَ الشَّـاعِـرُ:
كَانَتْ نَجَـائِبُ مُنـْذِرٍ ومُحَـرِّقٍّ: أُمَّـاتُهُنَّ وطَـرْقُهُنَّ فَحِـيلاَ
بل أكَـثـَرُ مِنْ ذلِـكَ ، فقـدْ وَرَدَ في أشْْـعَـــار ِالعَـــرَبِ :
– إطـْــلاق ُ(الأمَّـهــات ) على غيْر ِالآدَمِـيََّــات ،
قـالَ ابنُ برِّي :
الأَصْلُ فـي ” الأُمَّهـاتِ” أَنْ تكُونَ للآدَمِيِّيْنَ ، و” أُمَّــات” أَنْ تكُونَ
لغـَيْر ِ الآدَمِيِّيْن .. ورُبَّما جـاءَ بعَكْس ِذلِكَ ، كَما قـالَ السَّـفـّاح ُالـيَرْبُـوعِي
فـي “الأُمَّهات” لغيْر ِالآدَمِيِّيْنَ:
قــَـوََّالُ مَعـْـروفٍ وفـعَّـــالـُهُ : عـقّـارُ مَثنى أمّـهــاتِ الرِِّبــاع ِ
وقـالَ ذو الرُّمَّة ِ:
سِوى ما أَصابَ الذئْبُ مِنهُ وسُـرْبَة ٌ: أَطافَتْ به مِنْ أُمَّهــات الـجَـوازِل
فاسْتَعْـمَـل “الأُمَّهات” لــ ( القَـَطا ) واسْـتـَعْـمَـلها ِاليَرْبُـوعِي لـــ ( النـُّـوق ِ)
وقــالَ آخـَرُ فـي ” الأُمَّهــات” للقِـرْدانِ :
رَمى أُمَّهـاتِ القُـرْدِ لَذْعٌ مِنَ السَّفا : وأَحْصَدَ مِنْْ قِرْبانِه الزَّهَـرُ النَّضْرُ
وقـالَ آخرُ يَصفُ الإِبـلَ :
وهـام تَزلُّ الشَّمسُ عَنْ أُمَّهــاتِهِ : صِلاب وأَلْـح ٍ، فـي الـمَثَانـي تُقَعْـقِعُ
وقـالَ هِـمْيـانَ فـي الإِبـل ِأَيْضاً :
جـاءَتْ لِـخْمسٍ تَمَّ مِنْ قِــلاتِها : تَقْدُمُها عَيْساً مِن أُمَّهاتِها
أمَّا جَـريْـرُ بن ِعَـطِـيَّـة فقـدْ جـاءَ بـ ” الأُمَّـات” للآدَمِيِّينَ ، في قـَـوْلِه ِ :
لقــدْ ولـَدَ الأخـَيْـطـِلَ أمُّ سُــوءٍ : مُقـلـَّدَة ًمِنَ الأُمَّـَـاتِ عــارا
وقــالَ ابنُ دَرَسْـتـَوَيْه في هَــذا :
( وهي لـُغـَة ٌ ضَـعِـيْـفـَة ٌ، والفـَصِـيْـحُ في الآدَمِـيَّاتِ ” أمَّهــات ” )
وذكَـرَ ذلكَ أيْضَــاً الزّبَـيْــديُّ في كتاب ” تــاج ِالعَــروس ” .
Discussion about this post