تحول الشباب الجزائري لقوة مضادة للمجتمع والتنمية🇩🇿.
تعد الجزائر من بين البلدان التي تعرف نمو بطيئا في عمليات وبرامج التنمية منذ استقلالها، ولعل ذلك راجع الى اهتمامها كثيرا بالسياسة الريعية والثروة المادية كالبترول والغاز… الخ، وإغفالها لأساس التنمية الرئيسي الذي هو قوتها وهو المورد البشري الممثل في عدد هائل من الشباب الذي يمكن ان تستثمر فيهم وتعول عليهم لبناء مجتمع جديد، وبناء اقتصاد منافس وتحقيق التقدم والتطور والتغير في جل المجالات ولعل هذا الاشكال هو ما يدعي الى التساؤل حول العوامل المساهمة او حول الاسباب المساهمة في تعطيل هذه القوى من الشباب في بلدنا؟ وخطر تحولهم لقوة مضادة للمجتمع والتنمية؟
بعد الاستقلال عرفت الجزائر نمو سكاني سريع هذا النمو أفرز هيكلا سكانيا شابا، إلا انه ما يعاب على هذا النمو السكاني المتسارع انه لم ترافقه تنمية بنفس الوتيرة والسرعة، هذا ما جعل هذه البنية السكانية الشابة تشكل ضغطا متزايدا على مختلف الهياكل، بدلا من ان تكون قوى فعالة.
ومع المشروع الاجتماعي التنموي الذي هو في جوهره مشروع مستورد مسير بثقافة شعبوية، اصبحت الاحتياجات الاجتماعية تتجاوز بصفة دائمة التوقعات والبرامج المعدة لتلبيتها، لاسيما الحاجيات الاساسية في تصنيف ماسلو من خدمات صحية وتعليمية، السكن، وفرص العمل، ونتيجة لهذا لم تنخرط هذه القوى الشبانية بشكل فعال في العملية التنموية وتحولت من ركن اساسي للتنمية الى عبئ ثقيل ومصدر ازعاج للسلطات بمطالبها الملحة واحتياجاتها الدائمة.
-مؤشرات تحول الشباب لقوة مضادة: ان غياب خطة لتغطية الاحتياجات الضرورية لهذه القوى الشبانية التي تضاعفت 3 مرات خلال 30 سنة بصفة منتظمة، وفي ضوء انعدام تام الى سياسة اجتماعية وطنية تستثمر في الشباب في ظل تقهقر تام للإنتاج المحلي الوطني ادى هذا اختلال بين النمو السريع للسكان والتنمية مع عجز تام في نظري عن تحقق التوازن الضروري بينهما، وبهذا تكون السياسة العامة في الجزائر عاجزة تماما عن الاستثمار في الطاقات الشبانية وتحويلهم لقوة تنموية، مما ادى لإقصاء الشباب من مهمة اساسية وهي النهوض بالوطن لتحقيق التقدم، هذا الوضع المزري ادى بالشباب و شجعهم على التحول لقوة مضادة للمجتمع، ومن مظاهرة هذا التحول نجد؛
1-ارتفاع معدل التسرب المدرسي: رغم مجهودات الدولة في المجال التربوي كتحقيق ديمقراطية التعليم ومجانيته ورغم الاصلاحات المتتالية التي عرفتها المنظومة التربوية، الا ان العديد من الدراسات تثبت ان نسبة التسرب المدرسي نسبة فاقت الحدود المتفق عليها كظاهرة اجتماعية، خاصة في السنوات الاخيرة مع السياسة الاجتماعية الجديدة وقانون منحة البطالة هذا البرنامج ساهم بشكل كبير في تفاقم الظاهرة، لكن الخطر هنا ليس فقط انتشار الامية او الجهل عند الشباب بل الخطر يكمن في ان هذا الشباب المتسرب هو في سن المراهقة عموما، ومنه سيكون اكثر عرضة لجميع مظاهر الانحراف والاجرام ومنه يصبح قوة مضادة لمجتمعه.
2-اختلال سوق العمل وكثرة البطالة: النمو السريع الذي اشرنا اليه من قبل في عدد السكان ادى الى الاختلال في سوق العمل فكثر الطلب وقل العرض بسبب اننا لسنا دولة منتجة، مما جعل العديد من الطاقات الشبانية معطلة ومهمشة ولا تساهم في بناء الوطن نتيجة لسياسة الدولة الفاشلة وازمة التسيير والاعتماد على الريع في مقابل اهمال الثروة البشرية.
3-ازمة السكن: ان المسكن من الحاجيات الاساسية للانسان ومن مقومات بناء حياة الاسرة، اذ في داخله تؤدي الاسرة كجماعة اجتماعية اولية وظائفها الاجتماعية والتربوية، ولكن رغم جهود الدولة في هذا القطاع الحيوي الا ان الازمة لم تحل بعد وهذه الازمة تولد مشكلات نفسية واجتماعية لدى الزوج والزوجة اولا ثم يتأثر الأبناء بهما حيث ان انعدام وجود سكن او وجود سكن ولكنه ضيق لا يسمح بالعيش الكريم، يأثر في سلوك الافراد فالعديد من الدراسات تثبت ان المسكن السيء يدفع بالأطفال الى الهرب للشارع ويصبح الشارع هو من يقوم بالتنشئة وعملية التربية فينشئ شابا منحرفا او مجرما.
4-تنامي ظاهرة الحرقة: عرفت هذه الظاهرة تناميا مقلقا في السنوات الاخيرة لهذا سلطت المؤسسات الاعلامية والمجتمع المدني والمؤسسات الحكومية الضوء عليها، حيث اصبحت من الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي طفت الى سطح المجتمع بشدة الى درجة اعتبارها مأساة تعصف بهذا المجتمع نتيجة لأثارها الوخيمة التي تخلفها من الموت غرقا، او سجن في بلدان اوروبية، او كذلك هجرة للكفاءات والأدمغة، فالوضع المزري والمستقبل المجهول جعل الشباب المشحون بالعجر والظروف السيئة والقاسية بالمجازفة بحياته نحو المجهول، بل اصبحوا اكثر اصرارا على ذلك آملين بلدان غربية تنفق عليهم وتستخدمهم في خدمتها ليشعروا بالوجود ويتلاشى شعورهم بالاغتراب ويتنفسوا الصعداء ويكون لهم دور ما يعبرون به عن انفسهم؛ فالحرقة هي انعكاس لصدمة ثقافية لها ابعاد قيمية نتيجة لضعف الارتباط بالوطن والانتماء اليه، انها صورة من صور الفشل في اثبات الذات في الوطن الام فهي تعبير صريح عن اليأس من الوطن.
5-تأخر سن الزواج: تشير العديد من الدراسات والإحصائيات الى تأخر سن الزواج لدى الجزائري نتيجة للظروف الاجتماعية السيئة التي يعيشها الشباب والتي تتمثل في عدم وجود عمل مناسب وسكن…الخ، وعليه فهذه الظاهرة غير صحية لأنه ينذر منها ظهور مشكلات وآفات اجتماعية كالانحلال الاخلاقي واختلال التوازن النفسي والعاطفي لدى الشباب.
6-الشباب وتحديات الامن الفكري: مع امتداد رياح العولمة على جميع البلدان ومناطق العالم، صار شبابنا منفتحا على العالم الخارجي الذي يعرض كما هائلا من الخيارات والرؤى الفكرية التي تتراوح بين الدينية والعلمانية وبين القومية والكونية وبين المادية والروحية كل هذا مصحوب بقوة الصورة وإثارة الجدل مما شكل عاملا قويا للتأثير على هوية شبابنا حيث احدث الفيسبوك مثلا تغييرا كبيرا على الجانب الثقافي للمجتمعات والمجتمع الجزائري على وجه الخصوص وكان بامتياز، وسيلة لتمرير مشاريع العولمة الثقافية فقد رسمت هذه المواقع ملامح العزلة الاجتماعية متجسدة في خلق الشباب لعالم افتراضي خاص بهم وانغلاقهم داخله بحساب فيسبوك بسيط والمثير أن هذا الحساب صار بالنسبة للشباب عالم يحتويهم اكثر مما يحتويهم واقعهم الاجتماعي وهو ما اوجد مظهر آخر على الصعيد الاجتماعي وهو تغير بناء التنظيم الاجتماعي مما أدى الى تشويه وتفكيك العلاقات الاجتماعية.
هذه الازمة حدثت بسبب فشل المؤسسات الاجتماعية كالمجتمع المدني، الاسرة،المدرسة فهي مسؤولة عن هذه النتائج الغير متوقعة لطغيان التكنولوجيا على الحياة الاجتماعية فلقد احتوى الفيسبوك شبابنا بسبب ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتواجدها السلبي في المجتمع وكذلك نتيجة لتغييب دور المسجد وعجزه عن دوره الذي يتمثل في التثقيف الديني والإرشاد الاجتماعي والتحصين من التطرف الفكري والغلو.
فمواقع التواصل هاته شملت جل جوانب حياتنا وأثرت فيها فاستعمالها من طرف جميع فئات المجتمع جعلها وسيلة لتشكيل المجتمع وإعادة تشكيله خاصة المجتمع الثقافي، هذا الانعزال الشبابي عن واقعهم جعلهم عدم مهتمين بقضايا الشأن العام واعتبار انفسهم غير معنيين بالممارسة السياسية وتدبير الشأن العام مما يعكس ضعف الوعي بالقضايا المصيرية للبلد فالشباب الجزائري اصبح يعاني من الغربة السياسية.
في الاخير يمكن القول ان هدف التنمية هو توفير الرفاهية الاجتماعية للأفراد من خلال خلق فرص عمل وتوفير سكن لائق ومستويات افضل من الخدمة الصحية والتعليمية، ونتيجة لعدم تحقيق هذا في الجزائر يمكن القول أنها تعاني من اختلال بين النمو السكاني والتنمية مع عجزها عن تحقيق التوازن الدائم والضروري بينهما.
رغم ان عدد سكان الجزائر ازداد بسرعة إلا أنه نظرا لشساعة مساحة البلد وثرواتها الطبيعية التي تزخر بها يفرض منطقيا ان مشكلة النمو السكاني لا تتحول لمشكلة فالثروة البشرية اساسية لتقدم البلد ولكن نظرا للتسيير الفاشل تحولت لمشكلة بارزة وأصبح شبابنا يعيش صراعا بين متطلبات المرحلة العمرية التي يعيشها وغياب فرص البروز في المجتمع، فالمستقبل مظلم والأمل ارتبط بالحرقة في زورق بدلا من البقاء في الوطن.
ومنه تحولت الطاقات الشبانية لعبئ ثقيل مما جعلنا في معادلة لا متناهية بين الشباب الذي هو قوة البلد انطلاقا من كونه ثروة بشرية وفي نفس الوقت هو نقطة ضعف للبلد كونه عدد يفوق ولا يتوافق مع المؤسسات التي تستوعبه فتحول لثروة معطلة بل اصبح ينظر له كقنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي.
Discussion about this post