داود بكتاش: فن الخط العربي بين الأصالة والابتكار
الشّارقة_أسمهان الفالح
شهدت ساحة الخط مساء اليوم، الخميس، محاضرةً ألقاها الخطاط التركي دواد بكتاش استعرض خلالها عدداً من أعماله المشاركة في معرضه “حروف ذهبية” ضمن فعاليات الدورة الـ11 لملتقى الشارقة للخط.
يمثل بكتاش أحد أبرز الأسماء التي نجحت في المزج بين أصالة هذا الفن العريق وروح الابتكار المعاصر. بكتاش، المولود سنة في 1963، نجح في تحويل الحروف العربية إلى لوحات فنية تنبض بالحياة، مقدماً أعمالاً جمعت بين التقاليد الخطية العريقة والتجديد الإبداعي. ويعكس أسلوبه الفني الخاص تقديره العميق لجماليات الخط العربي الكلاسيكي وفي نفس الوقت ابتكاره لطريقة حديثة ومتجددة للتعبير الفني.
يمكن اعتبار بكتاش بحقّ شيخاً من شيوخ الخط العربي لا سيما الثلث، تدرج في تعلمه على يد كبار الخطاطين وعلى رأسهم يوسف أرغون، ثم محمد شلبي إضافةً إلى الخطاط سامي أفندي وأضرابه، وفي نظرة شاملة وعميقة على أعماله الفنية يظهر انفتاحه على مختلف المدراس الفنية وجمعه بين الأصالة والحداثة، فنراه يمزج في أعماله بين القواعد الكلاسيكية للخط العربي والإبداع الشخصي الذي يظهر في التكوينات الفنية الفريدة.
يتميز أسلوب داود بكتاش بجمالية خاصة تأتي من قدرته الفائقة على تحقيق التوازن بين الشكل والمضمون. فقد استلهم من الخطوط الكلاسيكية مثل الكوفي والديواني، لكنه أضاف لمسة معاصرة من خلال استخدام ألوان حيوية، وتراكيب جريئة، ومفاهيم فنية متقدمة، ما جعل أعماله محط أنظار عشاق الفن حول العالم.
يقول بكتاش: “الخط العربي ليس مجرد كتابة، بل هو موسيقى بصرية تحمل في طياتها معانٍ روحانية وثقافية. أنا أسعى لإبراز الجمال الخفي وراء كل حرف ونقطة”. ولذلك، تعتمد أعماله على مزج مثالي بين الخطوط والمنحنيات التي تخلق توازناً متناغماً يعبر عن انسجام الحروف، حيث يتقن الخطاط التركي استخدام الفراغات والتلاعب بها لتعزيز الجوانب الجمالية للنصوص. هذا الابتكار في التكوين يجعل أعماله ليست مجرد كتابة، بل لوحات تعبيرية تجذب العين وتستفز الفكر.
كما أن بكتاش يستخدم في إبداعاته مواد متنوعة، مثل الورق، القماش، والخشب، مما يضفي على أعماله بعداً جديداً، حيث تندمج تقنيات حديثة مع أسلوب تقليدي راسخ. هذه الثنائية الفنية جذبت اهتمام المتاحف والمعارض حول العالم، حيث تُعرض أعماله في العديد من الفعاليات الدولية، ما ساهم في انتشار سمعته كأحد رموز التجديد في فن الخط العربي.
يحرص داود بكتاش إلى جانب ما سبق، على أن تكون أعماله حاملة لرسائل روحانية وثقافية عميقة، مؤكداً أن الخط العربي هو لغة بصرية تعبر عن هوية وثقافة الشعوب الإسلامية، وتسعى للحفاظ على هذا التراث العريق، وفي الوقت ذاته تفتح أبواباً جديدة للتعبير الفني المعاصر.
ختاماً، إن فن داود بكتاش ليس مجرد إحياء لتقليد قديم، بل هو إعادة صياغة لهذا الفن بلمسة حديثة تحمل روح العصر، ما يجعله أحد أهم الخطاطين في الوقت الحالي.
Discussion about this post