قراءات في كتاب ( مشكلة الثقافة )
بقلـــم :
لميــاء العامريــة ..
( ليس يكفي مطلقا ان ننتج افكارا ، بل يجب ان نوجهها طبقا لمهمتها الاجتماعية المتحدة التي نريد تحقيقها )
ذلك من اراء المفكر والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي .. الذي لم يقتصر دوره في حمل رسالة الفكر والثقافة ، ولم يكن كاتبا مكبّا على كتبه فحسب ، بل كان يحمل بين ثناياه عمق الانسانية ومعنى الانسان واصل وجوده كرسالة حيّة لبناء المجتمع وتحقيق غاياته في النهضة والتطور والارتقاء التربوي والاخلاقي ..وفي هذا الصدد يقول :
( مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الافكار ، ولذلك كان علينا ان نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه فهو بصفة عامة :
قوة في الاساس ، وتوافق في السير ، ووحدة في الهدف . )
ويرى ان اهم اسس النهضة والبناء والتطور لأي شعب تكمن في درجة رقيه الثقافي والتي يراها حياة الشعوب عبر عصور التاريخ وفي مفهومه فان الثقافة :
( هي التعبير الحسي عن علاقة الفرد بهذا العالم ، اي بالمجال الروخي الذي ينمي فيه وجوده النفسي ، فهي نتيجة هذا الاتصال بذلك المناخ ،
فالفرد اذا ما فقد صلته بالمجال الحيوي قررنا انه مات موتا ماديا ،
وكذلك الامر اذا فقد صلته بالمجال الثقافي فانه يموت موتا ثقافيا ..
فالثقافـــة اذن هي حياة المجتمع التي بدونها يصبح مجتمعا ميتا )
ولم يختلف الفيلسوف بن نبي عمن سبقه من المصلحين وعلماء الدين وجهابذة الفكر ودعاة التغيير كابن باديس وغيره في محاربة وتغيير الشوائب والسلبيات التي طرأت في حياة ونظم المجتمعات الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها للمضي قدما نحو النهضة والتغيير
( من اول واجباتنا تصفية عاداتنا وتقاليدنا واطارنا الخلقي والاجتماعي بما فيه من عوامل قتّالة ورِممٍ لا فائدة منها حتى يصفو الجو للعوامل الحيّة والداعية للحياة
ولن تتأتى هذه التصفية الا بفكرٍ جديد ، يحطم ذلك الوضع الموروث عن فترة تدهور مجتمع يبحث عن وضع جديد ، هو وضع النهضة )
كما انه يستحضر بكل قوة عمق التاريخ والاصالة والحضارة العربية والاسلامية كروح باعثة على التجديد والبناء الفاعل
[ لايمكن ان نتصور تاريخا بلا ثقافة ، فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه ]
والثقافة في فكر مالك بن نبي لا تقتصر على نخبة معينة من المجتمع ولا على فئة تطلق على نفسها حصرا فئة الثقافة ، بمعزل عن طبقات المجتمع او امتيازا عنهم ، فذلك المفهوم لهو عين التخلف والجهل بمفهوم الثقافة الاوسع واكثر شمولا فيقول :
( ان الثقافة ليست علما خاصا لطبقة من الشعب دون اخرى ،
بل هي دستور تتطلبه الحياة العامة بما فيها من ضروب التفكير والتنوع الاجتماعي ، وخاصة اذا كانت الثقافة هي الجسر الذي يعبره الناس الى الرقيّ والتمدن ، فانها ايضا ذلك الحاجز الذي يحفظ بعضهم الاخر من السقوط من اعلى الجسر الى الهاوية )
كما يبدي نظرته الفلسفية ليبرز في تاخر العالم الاسلامي عن سائر الثقافات في العصر الحديث ليحدد اصل العلة وتبيين الخلل
( ان العالم الاسلامي يختلف في موقفه عن العالم الغربي وعن العالم الشيوعي ، فليست مشكلته منحصرة في محاولة فهم ( الثقافة ) وانما تحقيقها بصورة م
عملية )
ومع ذلك فينبغي ان نخطو خطوة الى الامام في طريق تحقيقها عمليا ، على ان تكون الخطوة الجديدة ( تركيبا ) لعناصر الثقافة ، ولكي نظل في نطاق مصطلحات علماء النفس نقول ينبغي ان تكون ( تركيبا نفسيا ) ..
انتقالات غزيرة في دوحة الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع في عالم الفيلسوف المفكر مالك بن نبي ، في رحلة مع كتاب مشكلة الثقافة
وبرفقتكم في عالم الكتب…
Discussion about this post