بقلم سمر علي
مذُ قديمِ الأزل وهذه الظاهرة المُجحِفة موجودة تتغذى على تتبع العورات، وتَشَعُبْ الفتنة، وتتطور لتجرُدنا من إنسانيتنا وهجرنا لقُرآنُنا وما سنَّهُ من قوانين لمحاسبة الجُناة ، ومن ثَمَّ فإنها نارٌ تحرقُ ولا تترك إلا الفرقه والتفكك، أمثلتُها جَمَّة في شتي العصور فقديماً تمثَّلت فى ( قصة سيدنا يُوسُف وإمرأة العزيز – وقصة السيدة مريم ) ولكنَّها تفشَّت بشكل جنوني الآن وقد صاحبها عدة مسببات ك( التبرج- إطلاق البصر -الخِلطة-التميع- الخضوع بالقول) أو بغيرها.. وهُنا لا أضع هذه المسببات لتبرير جريمة القذف المُنكرة بل لبيان كونها غالباً تكون مُصاحبه لِمثل هذه المسببات ..
في بداية الأمر ما معنى قذف المحصنات وما مرتبته من الآثام؟!
أولاً/ القذف بالمعنى الاصطلاحي في علم الفقه : الرمي بالزنا أو اللواط، أو الاتهام بالفاحشة ..
موقع هذا الجُرُم من الأثآم يعدُ من الموبقات السبعة أي على رأس هرم كبائر الذنوب ومُحَّرم إجماعاً بالسُنة والقرآن..
وقد أتى الإسلام بدستوريه ( قرآن_ سُنة) مُجَّرْم الخائض في أعرض الناس والمُنتهك لحُرماتهم وموضح عقوبته ،كما أظهر خطورة هذه الجَريرة وسوء أثرها بين الناس إذ أنها تبترُ أواصرُ المحبة ،وتُغذي ذئبُ الضغينة، وتهدم جذور الإنسانية، كما بيَّن إسلامُنا إفلاس وخواء هؤلاء الطائفة يوم القيامة، فعن أبي هُريرة قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال( أتدرون من المُفلس) قالوا المُفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال( إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) صحيح مسلم..
ولم يقتصر إسلامُنا على منعنا من الخوض في هذا وسَنَّهُ للحدود الزاجرة من خلال تشريعاته، بل وأكد على شيئين مهمين هما:
1-ضرورة حفظ الأعراض كونها إحدى أسباب حفظ النسل التي هي المقصد الرابع من مقاصد الشريعة الخمسة
2-كما دعانا إلى عدم التطلع علي أعراض الناس وإتباعُها لتندثر الفاحشة إذ أن ذيوع الفاحشة يُجرِّيء المقدمين عليها، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيت) ..
وقد ورد في القرآن الكريم في جريرة «القذف » وحدها عَشرِ أيآتٍ متتاليات في سورة [ النور] أهمهم (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون) ، والمُحصنة هنا هي البالغة الحُرّْة العفيفة، كما أن هذه الآية وضحت لنا ثلاثة عقوبات للقاذف إذا ما أقام البينة وهي (الجلد ثمانين جلدة- عدم قبول شهادة له- إقرار الله على بالفسوق ) والفاسق هُنا هو الذي ليس بعَدِل لا عند الله ولا عند الناس، نستشهد بآية أخري لبيان العقوبة والتأكيد عليها (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )قال العوفي في هذا ، عن ابن عباس في قوله : يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، رماهن أهل النفاق ، فأوجب الله لهم اللعنة، كما أن هذه الآية تعدُ إحدى أسوار العفاف المنيفة إذ أن للعفاف أسوار وضعها القرآن وجعلها حداً فاصلاً بين الناس ..
في هذا الصدد نستشهد بأول جريمة في الإسلام من هذا النوع وهي حادثة ( الإفك) لأُمنا عائشة رضي الله عنها حيث قذفها الناس وبعضُ من الصحابة وشاعت تلك الحادثة إلى أن برأها الله عزَّ وجل فى كتابه وأردع الفاعلين بعقوبات جزاءاً لما إقترفت ألسنتهم ،وقد قال[ الزمخشري] في هذا لم يقع في القرآن من التغليظ في معصية ما وقع في حادثة الإفك، ثم قال عز وجل ختام لآيات حادثة الإفك (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) إذ أن هذه الآية من أعظم وسائل تطهير المُجتمع المُسلم من الفواحش ..
والمُصابُ الجَلَل في أُمتنا الآن هو ( القذف العلني) المتمثل في نشر الصور الفاضحة حتي أصبحت هواتفنا مُمتلئة من قيح هذه الصور الفاضحة والمقاطع المُتعفنة الخبيثة ولا شك أن أولى الناس بالوعيد لعظيم جُرمه هو الناشر لتلك الصور والمقاطع فقد قال عز وجل( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) ويشتدُّ الإثم بنشر تلك الأشياء بدون إذن صاحبها ويشتدُّ أكثر بتلفيقها( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )..
كيفية التوبة من هذا الجُرْم ( القذف) هو أن يُكذِّب القاذف نفسه فيما حُدَّ فيه وهذا قول جماعة من الصحابة والسلف منهم عمر بن الخطاب والشافعي وأحمد، وقد قال في هذا إبن القيم[ إن توبة القاذف إِكذَابةُ نفسه،لأنه ضد الذنب الذي إرتكبه ، وهتك به عِرض المسلم المحصن، لينتفي عن المقذوف العار الذي ألحقه به القاذف وهو مقصود التوبه]..
وقال إبن قُدامه[ فإن تاب لم يسقط عنه الحدُّ، وزال الفسقُ بلا خلاف، وتُقبل شهادته عندنا]..
كما أن للقذف حقان هما حق ( الله _ العباد) ولا يحصل التخلص منهما إلا بالإستغفار والتوبة النصوحة..
هذه المِحنة بليةُ كل زمان ومكان فلنحذر من الوقوع فيها ..
Discussion about this post