د. عبد العزيز يوسف آغا.
////////////////////////////////////////
ابتداء نلاحظ أن هذا اللفظ مركب من حروف متنافرة، يجعل فصاحته في مهب الريح، وهذا راجع بالأساس كونه عابر للقارات، وكاستنتاج أولي اللفظ دخيل على الثقافة العربية، مما يجعلنا تفحص هذه التسمية.
بتتبع هذا المصطلح في اللغتين الإنجليزية (Hermeneunitics) والفرنسية (herméneutique) وقد وجدت أن اللفظ يرجع أصله إلى العهد اليوناني (الإغريق) وهو مشتق من فعل في اللغة اليونانية وهو ερμηνευτική (هيمينوتيكي)من فعل (HER MENEUIN)وقد استعارت اللغة اللاتينية (اللغة الأم للغات الأوربية) نفس المصطلح مع تغيير بسيط في شكله، ومنه تفرعت فروع المصطلح.
يقدم أحد أساتذة الفلسفة تعريفا للهرمينوطيقا على ضوء دارسيها:
(يذهب معظم الدارسين إلى كون الهرمينوطيقا أخذت من “هرمس” الإله والرسول الذي كان يعبر المسافة بين تفكير الآلهة وتفكير البشر، كما هو موجود في الأساطير اليونانية، ويزود البشر بما يعينهم على الفهم وتبليغه.
ويحدد هذا التعريف أن أصل هذا المصطلح يرجع إلى أسطورة شركية إغريقية، تحكي أن “هرمس” هو إله مهمته هو الوصل بين تفكير الآلهة وبين تفكير البشر، بمعنى آخر هو ترجمان يوصل رسائل الآلهة إلى البشر، ثم يساعدهم على الفهم وتبليغه.
وإن كان هذا التعريف أحالنا على الجدر اللغوي للهرمينوطيقا وهو مهم، ألا أنه حصره فقط في مهمة المساعدة على الفهم وتبليغه.
أما أستاذ التاريخ الفلسفي المعاصر (آريون لوثر) فيوسع من حمولة المصطلح فيقول:
(وتعني كلمة hermé اليونانية: هو القول والتعبير والتأويل والتفسير).
ويتضح من هذا التعريف أن صاحبه تحرر من الخلفية الأسطورية للمصطلح، وذهب مباشرة إلى تحديد معاني الكلمة ذات الأصل اليوناني، وحددها في:
التعبير والتأويل والتفسير.
ومما يؤخذ عن تعريف لوثر هو إقحامه للتعبير كي يكون مجاوراً في المعنى للتأويل والتفسير، وهذا ربط بعيد كون التفسير والتأويل لهما قرابة لغوية، حتى أن هناك من جعلهما مرادفين، أما التعبير –في تصوري – فمصطلح فضفاض وقد لا يكون تفسيراً ولا تأويلاً ولا معنىً قريبا منهما:
فقد يعبر أحدهم عن ظاهرة أو مفهوم بعيد كل البعد عن تفسير تلك الظاهرة أو ذلك المفهوم، كالتعبير الرومانسي البعيد عن واقع الأشياء، والتعبير الحر الذي لا يتقيد بضوابط المعرفة والعلم.
إلا أنني أعذر الأستاذ لوثر في ذكره للتعبير فقط، إذا أراد بذلك تعبير الأحلام والرؤى، فهو نوع من أنواع التأويل والتفسير.
وإذا أردنا مقارنة التعريفين نجد أن لوثر فصل ما أجمل ديفيد هوى: فلا يمكن أن يزود هرمس البشر –حسب الأسطورة المشار إليها سابقاً- دون أن يفسر أو يؤول، فهذا هو الترابط بينهما.
ويمكننا ترجيح التعريف الثاني (للوثر) على الأول كون الأول يدخل ضمن التعريف الثاني.
من جهة أخرى يعتبر أرسطو أول من وظف مصطلح “هرمينوطيقا “في باب (منطق القضايا) من كتابه (الأرغانون).
ومع تطور علم اللاهوت في أوربا برز هذا المفهوم من جديد، واستعير من مصدره الإغريقي إلى الحقل الديني، واستعمل بالأساس في ترجمة وتأويل كتب أهل الكتاب، ونترك الدكتور حسن حنفي يصف لنا هذا النقل في توظيف المعنى اللغوي للهرمينوطيقا:
(“العلم الديني بالأصالة والذي يكوّن لب فلسفة الدين… ويقوم عادة بمهمتين متمايزتين تماماً:
1- البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس عن طريق النقد التاريخي.
2- وفهم معنى النص عن طريق المبادئ اللغوية.).
نقف وقفة عند هذا التعريف، وأول ما نستنتجه ونلحظه، تمدد الحقل الدلالي للهرمينوطيقا، فهي أصبحت علما دينيا وفلسفة للدين، وأبرز التعريف مهمتين خطيرتين لهذا العلم وهما:
نقد النص المقدس بمنهج التاريخانية، وفهم معنى النص عن طريق اللغة.
والملاحظ أن الفكر المسيحي استعار المصطلح من أصوله الإغريقية، ووظفه في حقله الديني الخاص، وحافظ على بعض معناه في حين نجد هذا النقل في المعنى رافقته ولادة جديدة بمثابة قيمة مضافة إلى المعنى الأصلي وهي: الانتقال من الفهم إلى النقد، حيث لم يعد معنى التفسير والتأويل هو الحاضر في المعنى، بل تعداه إلى النقد وهنا يبرز المتلقي بشخصية مؤثرة أكبر من الأول.
من خلال ذلك نجد تعاريف لمصطلح ومفهوم الهرمينوطيقا، والتطور الدلالي الذي شهده عبر مراحل تاريخية.
بعد هذه المقاربة اللغوية، لا بد أن نرصد الطفرات المتعددة لهذا المفهوم من الأصل الأسطوري، إلى الفكر الديني الأوربي، ثم بعد ذلك دخول الفلسفة على الخط الدلالي للهرمينوطيقا، دون نغفل تأثر ميادين أخرى به كالأدب مثلا.
على طريق النور نسير،،،،
وعلى المحبة نلتقي،،،،
Discussion about this post