مر فهد ذات صباح بمجموعة من الحيوانات البرية التي كانت جالسة تتمتع بأشعة الشمس التي نادرا ما تزور غابات وأراضي أستراليا في مثل هذا الوقت. وكان الفهد حينها يشعر بالقلق وبداية اكتئاب جراء روتينية حركاته وتصرفاته مثل كل رواد المكان، ورتابة حياته الفارغة من كل هدف وتخطيط، فجالت بفكره فكرة قد تزيح عنه هذه الحالة وتروح عنه ولو لبعض الوقت وتنظيف ما تصدأ فيه من جديد.
فطلب من الجميع التسابق معه إلى حدود النهر – أي أقل من كيلومتر واحد عن مكان الانطلاق الذي يتواجدون فيه -، مع إهداء الفائز – إن وجد – وجبة غذاء يومية طيلة أسبوع كامل وحمايته حماية مطلقة من كل أذى ومكروه.
لكن الحيوانات جميعهم رفضوا هذا المقترح واعتبروه ضربا من الجنون والتهريج، إذ كيف سيتسابقون مع أسرع حيوان بري في العالم وهم أبطأ الحيوانات وأكسلهم؟ أ فلا يعتبر هذا مستحيلا من المستحيلات وحلما لا يمكن إدراكه بأي حال من الأحوال ؟
لكن الفهد أصر على طلبه في البداية، ثم ترجاهم، فهددهم قبل أن يأمرهم بذلك بالقوة وإن استوجب الأمر التخلص منهم وقتلهم إن هم تمسكوا بالرفض وتجاهل طلبه وعصيانه في هذا الوقت بالذات وقد اسودت الدنيا في وجهه، وتساوى الشيء ونقيضه عنده، وبات الوجود والعدم سيان لديه.
وفي النهاية، أعطى الصقر – الذي حضر الحفل وتنازل عن تحليقه في السماء بطلب من الفهد – إشارة الانطلاق، فهرول الجميع ما عدا الدودة التي مكثت في مكانها، فدهسها الفهد عمدا وجعلها تحت قدمه جثة هامدة وهو يركض بعد أن تركهم يسبقونه بعشرات الأمتار، فشرع ينفض الغبار نفضا ويضرب الأرض ضربا موجعا تسمع حسه من بعيد، حتى تجاوز الجميع وهو يقهقه ويسخر من المتسابقين، يصفهم بأبشع الصفات ويحذرهم من التخاذل والتراجع عن الجري إلى حدود النهر….
وما هي إلا لحظات حتى كاد الفهد يصل إلى نقطة النهاية، والبقية لم يتجاوزوا ربع المسافة بعد، فصاح مستهزئا ومنتقصا من مجهودات وقدرات بقية الحيوانات، وأذاع سر السباق وأطواره، خوف الحيوانات واستسلامهم لإرادته، لكل حيوان اعترض سبيله محتقرا ومتهكما ومتنمرا…
وما إن كاد يضع قدميه على مكان النهاية حتى أصابته خرطوشة صياد آدمي في بطنه أردته طريح الأرض يسبح في دمائه وهو يصيح ويستغيث، يطلب النجدة، يتألم، يتأوه، ….، ولا من مجيب.
وبعد ساعات، – ولم يأت الصياد لجمع صيده بعد، لكثرة طلقات الرصاص التي سمعت منذ ساعات، وقد يكون عدد الصيادين كبيرا – وصل دب الكوالا أولا، ثم الكسول ذو الأصابع الثلاثة ثانيا ، يليهما الحلزون والسلحفاة ثالثا ورابعا، فوجدوا الفهد غارقا في دمائه وقد فارق الحياة، فقال الحلزون ساخرا بعد أن اندهشوا لما رأوا وتنفسوا الصعداء:
– أتتذكرون كيف كان يعاملنا هذا الظالم وغيره من الظلمة الأقوياء؟ ألم يعيثوا فينا وفي أسرنا وأراضينا وكل ممتلكاتنا فسادا؟ أ لم يقتلوا إخواننا ويلتهموا لحوم جيراننا ويشربوا من دماء أترابنا؟…
– (دب الكوالا مقاطعا) هذا جزاء التسرع، فلا يكفي أن تكون سريعا حتى تحقق ما تصبو إليه، ولا يجب أن تقرن التسرع بالسرعة حتى لا تندم على سوء التقدير والتخطيط….
– (الكسول مقاطعا ومتكلما ببطء شديد وحروف متقطعة) لو سايرنا ومشى معنا خطوة بخطوة إلى هنا قبل أن يجري ويفوز كما هو منتظر بطبيعة الحال، لتلقى أحدنا الطلقة مكانه، ولكان ميتا عوضا عنه، لكنه استهزأ بنا، فاستهزأ منه القدر وباغتته الموت وهو يمارس جبروته وتسلطه علينا نحن الضعفاء ….
وواصلوا السباق بتأن وثبات وقد وانزاح عنهم هم كبير وشعروا بالراحة والنصر، ولم يبحثوا عن الفائز بينهم – وقد فاز دب الكوالا – ما داموا قد تحرروا من سلطة “سيدهم” وجبروته وطغيانه وتعسفه واستبداده المستمر .
Discussion about this post