بقلم الشاعر أ.د. حسين علي الحاج حسن
تشكل الكتابة التاريخية محوراً في تكوين المعرفة المستندة إلى الوقائع الثابتة ومحاكمة النصوص من خلال قنواتها المعرفية والتحليلية التي يكمن فيها تأويل الحدث التاريخي والمحاكمة في الرواية التاريخية
1- تأويل للحدث التاريخي
من الملاحظ في الدراسات المعمقة في ميدان التاريخ الإسلامي، الذي تناول مرحلة صدر الإسلام، ان هنالك العديد ممن قام بعملية التأويل للحدث التاريخي وتشريحه، فالتأويل لسير الأحداث التاريخية السالفة، التي مرت سواء عند الطبري أو ابن خلدون أو غيرهم من المؤرخين، كان له دوره السلطوي، ويعمل على ترسيخه بين عامة الناس، وكان قد صدر التأويل من جهات متعددة، وممن لم يكتبوا التاريخ في حينه، أو كانوا شهودا على الأحداث الجارية في عصرهم، فبعض هؤلاء كانوا من المعتزلة، وكان من نتائج تأويلاتهم تلك، ان أدت هذه العملية تباعا بالفرق الدينية الى المحاكمة العقلية في ضوء المنطق. لكن هذا الامر لم يمنع من التساؤل عما إذا كان التاريخ الإسلامي حالة انتقائية في البحث والتحقيق؟. استناداً إلى ذلك تشكل الدراسات والتحقيقات التاريخية الإسلامية، مادة سجالية بين من كتب في هذا المجال، وبين التركة الفكرية التي يراد استخراج النتائج منها؟، ففي الكثير من الأحيان تكون أحكام الباحث فيها، غير موضوعية، جراء حجب الكثير من المعلومات التي تتعلق بالبحث نفسه، أو بسبب التحقيقات الناقصة لغاية ما، سواء عن قصد أو غير ذلك، ويبدو أن مرد البحث في السجلات والمصادر والمراجع التاريخية تستدعي منا تسجيل الكثير من النقاط الخلافية، التي تعنى في هذا الشأن، خاصة في دراسة التاريخ الإسلامي للحقبات التاريخية الأولى، باعتبار أن هنالك الكثير من المعلومات المفقودة، تدفع كل باحث إلى السؤال الموضوعي الكبير، أين اختفت معلومات تلك الحقبة التاريخية، ولماذا؟، ولم لا يُعلم عنها؟ وهي غير ثابتة المعالم، عبر عرض الأدلة أو البراهين العلمية التي لا تقبل الشك أو اللبس.
ان الرواة، أمثال البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه، لم يولدوا في عهد الرسول ص أو في عهد صحابته ولا في عهد تابعيهم وهؤلاء الرواة لم يعايشوا عصر الخلافة الراشدة، كما أنهم لم يولدوا حتى في الجزيرة العربية. لذا هنالك الكثير من الأسئلة المنطقية التي تحتاج إلى إجابات دقيقة،. و هي ليست أموراً ظنية يمكن الركون إليها، والقبول بها لمجرد الرواية، ما دام كل شيء يحتاج إلى تبرير، وعليه، من أين جمعوا أحاديث النبي محمد (ص)، وما هي مصادرهم ومراجعهم التي استندوا لها في هذا الجمع، طالما لم يعيشوا في زمنه (ص)؟، من هم شهودهم على كل هذه الأحاديث؟، وهل يمكن الركون لهم والتسليم بما أخبرونا به؟، ولماذا؟، أين وثائقهم التاريخية وشهودهم التي خطوها طالما الفاصل الزمني بينهم وبين الرسول محمد (ص) فترة زمنية طويلة؟، وهل أخضع من روى أحاديثهم إلى علم الرجال للتدقيق في شخصيته ومعرفة صدقه وهدفه وبعده الزمني عن الحدث التاريخي الذي يروي عنه؟، وهل تطابق الحديث عندهم مع النص القرآني، باعتبار ان الحديث يشرح التفصيل والكيفية للحكم الشرعي العام، فيما القرآن الكريم فيه الحكم العام؟،وماذا عن الجانب التاريخي للحدث؟.
إذا كان الدين الإسلامي عبارة عن عقيدة وشريعة، فالعقيدة ترتبط بالجانب الوجداني للشخصية الاسلامية، للاستدلال على الأصول الفكرية التي يتكون منها الدين، فيما الشريعة هي عبارة عن التشريعات والأحكام التي تندرج ضمن العبادات والمعاملات. وبالتالي هذه المسائل التي وردت آنفاً، ليست وجهات نظر قابلة للجدل والمناقشة أو المساومة، كي نختار منها ما يحلوا لنا، أو نترك منها ما لا يناسب أفكارنا الشخصية. وعليه لو سلمنا جدلاً بكل ما ورد من أحاديث كما هي دون تحقيق لها، هذا يدفعنا للبحث في معرفة دور كتبة الرسول (ص) وما خطته أيديهم؟، وأين ما كتب وما نقل عن آل بيت رسول الله (ص)؟ ومن طمس معالمهم الفكرية؟، وهذا أيضاً يستدعينا للبحث أيضا عما كتبه صحابة الرسول؟، وأين الحفظة والثـقاة من شخصيات الصحابة والتابعين العرب؟، وهل يعقل تغييب مهام الشخصيات الأساسية في التاريخ الإسلامي، وحصر دورها بالجانب الخدماتي والاجتماعي الإجرائي، دون الجانب الفكري والفقهي المتزامن مع وجودها في تلك الحقبة التاريخية؟، ترى ما هو الثمن؟، ولماذا كانت التعمية في بداية العهد الأموي؟، وقد تم فيها حجب تلك الأحاديث، أو تزويرها، وقد أنطلت هذه المسائل على ما تلاها من عهود تاريخية لاحقة؟، من الذي قام بمهمة تلف المخطوطات الأصلية للأحاديث والسيرة المشهورة بدقتها وشهودها؟، لمصلحة من؟، ومن كان له مصلحة في حجب تلك الحقائق وتبديل الواقع؟. ماذا لو لم تكن مؤلفات البخاري ومسلم موجودة؟. ولماذا في الكثير من الأحيان نجد هنالك مجموعة من الأحاديث تتماهى مع دعاتها وتجنح نحو استبعاد نص القرآن الكريم؟.
من الواضح أن الرسول (ص) دعا مجتمع شبه الجزيرة العربية مدة 23 سنة، وقد استعرض ابن هشام ذلك في تاريخه، لذا من أين جاءت الأحداث التاريخية التي جمعت في أجزاء عديدة من المصنفات؟، وهل من المقبول والتسليم أن المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول(ص) كان رهيناً للفشل؟، وليس لديه القدرة على ضبط ما روي من أحاديث الرسول (ص) في سنة قولية وعملية وتقريرية حتى مرحلة الفتوحات الإسلامية؟. ولماذا التعتيم على من نقل الحديث، وحققه، وناظر فيه طيلة الفترة التي امتدت حتى منتصف الخلافة العباسية؟. أليس غريباً أن نجد في زماننا مخطوطات تاريخية تتعلق في حضارات المجتمعات والأمم التي عاشت في مراحل زمنية مختلفة وكانت أقدم بوجودها على وجود الإسلام، ولا نجد ما يمت في صلة لهذا الدين والمجتمع؟.
2،- المحاكمة في الرواية التاريخية.
لو وضعنا بعض الكتب في اطار المحاكمة العقلية، لوجدنا فيها مجموعة من الروايات التاريخية، تحتاج إلى التحقيق والتدقيق الموضوعي، خلافا لغيرها من الروايات الواردة في الكتب المحققة، فهناك من قام بعملية تفسير القران الكريم معتمدا على التفسير الروائي، فتحدث في ذلك عن الرواية، فضلا عن البيان الفلسفي والتاريخي لمعنى الآية القرآنية التي نتحدث عن ذلك.
ان بعض الروايات التي وردت فيها الكثير من المغالطات التي تحتاج فيها الى النقد، وهذا ما كان يفعله أئمة أهل البيت، فقد كانوا يراقبون الأحاديث النبوية الشريفة والمروية ويناظرون أصحابها، وعليه لم يشكل فقدان أي شخصية سياسية أو دينية خلال تلك الفترة الزمنية، انعطافا تاريخيا ما خلا دور الأئمة والمجتهدين لذا فإن التشكيك في الجانب التاريخي و ما فيه مأخذ على من يسوغه. فهناك من كان دوره قد اقتصر على مراقبة الأحاديث النبوية الشريفة و نشر هذا الفكر، وهي المرحلة التي حظيت بالحرية السياسية والفكرية، بسبب انشغال السلطة الأموية بالعباسيين، وهذا ما سمح للامام جعفر بن محمد، أن يتحرك أكثر من غيره، لذلك هذه المسألة اتت بالحرية السياسية والفكرية، وعلى أساسها بدات تتبلور المذاهب الإسلامية.
ان الروايات في التاريخ بمجملها، كانت حدثا و ليست فكرا، ففي التاريخ الإسلامي، نجد ان كل من حكم في حقبة زمنية محددة، لم يترك جانبا فكرياً يمكن الركون اليه، بل ترك حدثا تاريخيا، اسست بعض الفرق الدينية من خلاله اتجاهاتها والتزاماتها السياسية والفكرية.
Discussion about this post