حسين الشاب العصبي الذي لا تعجبه انثى كما قالت والدته اخيرا وافق على الزواج من بنت في قرية مجاورة ، وفاء كانت يتيمة الأب وكانت تربيها امها مع اخت لها بعد وفاة والدها ، وفاء أنهت امتحان الثانوية العامة وكانت تود أن تكمل تعليمها ولكن ظروف الحياة قاسية فلم تستطع امها أن توفر لها المال اللازم .
كانت واحدة وفاء تعمل خياطة ، في يوم حضرت ام حسين لتخبط فستانا فإذا بها تقع عينها على وفاء ، فكرت في أن هذه البنت تناسب ابنها حسين وتتحمل عصبيته و مزاجه الحاد ، فهي هادئة ومن تربية صالحة .
عادت الأم الى بيتها وأخبرته ولدها عن وفاء وطلبت منه أن يفكر بالموضوع فقد أصبح بعمر 25 وان الأسرة تريد أن تفرح به وباولاده ، بعد الأخذ و الرد وافق حسين على تحديد موعد للذهاب إلى أسرة وفاء وطلب يدها للزواج ، اخذت الأم الموعد من ام وفاء حين ذهبت لقياس فستانها وتم تحديد الموعد ، وتم النصيب وتزوج حسين من وفاء و عاشا في بيت بجوار بيت أهله.
بعد 3 شهور من الزواج ذهبت وفاء للطبيب تشكو أعراض تقيؤ صباحا ليتبين أنه حمل ، سعدت الأسرتين بقدوم مولود ليملأ البيت بالفرحة ، مرت أيام الحمل مسرعة و حسين ينتظر مولوده أحمد إلى أن جاء يوم الولادة وكان المولود أنثى ” هبة الله” ترك حسين المشفى دون أن يبارك بمولودته ولم يقل لوفاء كلمة ” حمد لله على السلامة ” و كأن خلق الانثى والذكر هو بيد الأم ! لكن ام وفاء وقفت إلى جوار ابنتها إلى أن تعافت ، ولا أنكر أن والدة حسين أيضا كانت طيبة و حاولت الحديث إلى ابنها وبأن هذا عطاء الله وان الله سيعوضه بالولد في المرة القادمة بإذن الله ، ذهب حسين مع والدته إلى بيت ام وفاء واعاد وفاء وابنتهما ” هبة الله ” إلى بيته ، وعاد الوضع كالسابق ولكنه لم يكن حنونا على ابنته وكانت كلما تبكي الطفلة تتسحب الأم بها إلى خارج غرفة النوم حتى تهدأ البنت وتنام ، ومرت الايام الشهور وإذا بوفاء حامل للمرة الثانية ، طوال فترة الحمل والام تخاف أن تكون انثى إلى أن جاء يوم الولادة ، حضر الطبيب ليخبر الممرضة بتجهيز غرفة العمليات لان الحالة صعبة ضغط الأم مرتفع جدا و في ذلك خطر على المولود ، تمت الولادة القيصرية ولكن المفاجأة كانت ” ملاك ” أنها الطفلة الثانية فكيف سيكون رد فعل حسين ؟؟
حضر حسين إلى المستشفى وقال : وفاء ، هل جاء احمد ؟ لم تستطع أن تنطق فهي متعبة و خائفة أيضا ، ردت ام وفاء : يا ابني قول لها الحمد لله على السلامه ، قالها : ماشي ، الحمد لله على السلامه يا وفاء ، آه ، بنت ولا ولد ؟ لم ترد وفاء بأي كلمة ، ولكن دموعها سبقتها بالرد ، قالها حسين : ايه رجعتي وجبتِ بنت ، انت وبناتك ما لكم مكان في بيتي ، انت طالق ، طالق ، طالق .
وفاء بجراحها وآلامها كتمت أنفاسها وقالت : يا ماما ، ممكن تستقبلينا في بيتك ما لنا مكان نروح عليه ، الأم : هذا بيتك يا بنتي وبيت بناتك ، ربي يهدي زوجك انت ما لك ذنب ، و خرجت من المستشفى مع أمها و احتضنت بناتها هبة و ملاك و قالت هم نصيبي من الدنيا لازم أربيهم واهتم فيهم ويكونوا من احسن ناس .
تعلمت وفاء فن الخياطة من والدتها و اصبحت خياطة في بيتها و تربي بناتها .
حاولت أم حسين أن تصلح بينه وبين وفاء فلم تستطع، فكانت تزور وفاء بين الحين والآخر وتحمل ما تستطيع لحفيداتها وسرعان ما توفاها الله ، أما حسين فقد تزوج للمرة الثانية بعد أن ماتت والدته وكانت زهرة هي من وقع عليها النصيب ، وكانت المفاجأة الأكبر أن زهرة حملت و أنجبت احمد ومن بعده علي و محمد مما جعل حسين ينسى أنه اب لبنتين ( هبة و ملاك ).
مرت الأيام والسنوات وكبر الأولاد و البنات ، وتعلمت هبة الله طبيبة أما ملاك فقد درست المحاماة ، على الجانب الآخر احمد لم يكمل تعليمه وانخرط في العمل وكان يعمل في محددة ، علي سافر خارج البلاد و تزوج أجنبية ولم يعد للبلد ، أما محمد فقد كان أصغر الأولاد المدلل وقد كتب الأب البيت باسمه بعد أن تزوج احمد وفتح محددة .
توفيت زهرة زوجة أحمد بعد مشاجرة كلامية مع كنتها ” مروة ” زوجة محمد حيث قالت مروة لحمايتها : انت ضيفة بالبيت واحمدي الله أننا بنطعمك انت وزوجك و عايشين في بيتنا ـ تقصد البيت الكبير ـ بيت حسين اللي كتبه لابنه محمد ، مرة تلو أخرى تحدث شجارات في غياب الابن والام تكتم ذلك مخافة على ابنها لانه بيحب مروة جدا هو اللي اختارها ، في يوم قامت ام احمد الصبح تعمل فطور قامت مروة وسمعتها كلام وقع الزيت من أيدها سبب لها حروق بالوجه ، فضلت بالمستشفى تعاني الحروق وارتفاع الضغط والسكر إلى أن توفيت زهرة .
أما حسين فقد أشارت إلى محمد بأن يذهب بوالده إلى دار مسنين أو يذهب إلى ابنه احمد ليعيش معهم .
ذهب إلى بيت احمد فرحبت به زوجة ابنه و عاش مدة من الزمن إلى أن جاء اليوم الذي قرر فيه الاحتلال هدم البيت بعد أن اتضح أن احمد يستخدم المحددة في صنع عبوات متفجرة مع بعض الشبان ضد الاحتلال ، فقبض على احمد وادخل السجن أما زوجته فعادت إلى بيت أهلها ، فإلى أين يذهب حسين ؟ حاول العودة إلى بيت محمد ولكن مروة رفضت والد زوجها ، فكان المكان الأنسب هو دار المسنين.
هبة الطبيبة الجميلة الحنونة والتي تربت على يد وفاء الصابرة أثناء تفقدها دار المسنين التقت بوالدها التي لم تعرفه يوما الا بالاسم و هو لا يتذكر حتى اسمها ، ولم يخطر بباله يوما أن يسأل عليهم إن كانت بناته على قيد الحياة ، سألت الطبيبة عن اسمه فاخبرتها مديرة الدار باسمه و أن ابنه في سجن الاحتلال وان ابنه الاخير هو من أحضره إلى الدار ومن يوم ما أحضره للدار منذ أكثر من سنة لم يزوره ، فقط يحضر إلى مكتب المحاسبة ليدفع له مصاريف مكوثه في الدار وليعرف اذا كان والده لا زال على قيد الحياة !!!
وقفت هبة الله دون كلام و كأنها تسمرت في مكانها ، هل يعقل أن يكون والدها هنا ، امها لم تخبرها بما حدث بل أخبرتها أن والدها على سفر إلى بلد بعيد و انقطعت أخباره ، فقالت هبة : بابا انت متى رجعت من السفر ؟ ليه رجعت هنا وما سالت على بيتنا ، ماما طول الوقت كانت منتظرة رجوعك .
بكى حسين ، وقال لها : امك وفاء نعم الأم والزوجة ، لكن أنا لا استحقها ، ولازم افضل منبوذ لوحدي بعد ما انتظرت الاولاد الذكور وهم اللي مش ساىلين عليَّ ، وأنتم اللي انا تخليت عنكم ، عاوزة تقولي أمك وفاء كانت بترسم لكم صورة الأب الفاضل ، اللي راجع ، يا بنتي يا هبة ، سلمي على والدتك واحكي لها : شكرا على التربية الصالحة ، انا ما رح اقدر ارد لك تعبك وصبرك وحسن تربيتك لبناتك .
عادت هبة لتخبر امها عما حدث ، لم تصدق ملاك بأن ابوها عايش وما كان يسأل عنها و تعصبت زي عصبية ابوها وقالت : مش عاوزينه ولا عاوزين منه شيء ، لكن وفاء طلبت من ملاك الهدوء وان الصبح البنات تبقى جاهزة لزيارة حسين في دار المسنين .
في اليوم التالي ذهبت وفاء معاها هبة الله و ملاك لزيارة حسين وطلبت من مديرة الدار عمل خروج لحسين لأنه لازم يعيش في بيت أولاده أو بناته ، وافقت هبة على كلام وفاء وهي سعيدة أن والدها حسين رح يكون قريب منها ولأول مرة يجتمع ابوها وامها واختها في بيت واحد .
ندم حسين على كل اللي عمله مع وفاء وطلب منها تسامحه وهو غلط و عرف غلطه متأخر ، وعرف أن الله هو اللي يعطي وان البنات هن المؤنسات الطيبات الودودات .
Discussion about this post