ماذا تعرف عن أيقونة السيدة مريم العذراء ذات الثلاث أيدي؟!!
د. عبد العزيز يوسف آغا.
//////////////////////////////////////////////
(من التراث المسيحي)
الأيقونة المدعوّة ” ثلاثة أيدي ” للسيدة العذراء، الجوهرة الثمينة للقديس يوحنا الدمشقي، الذي حفظها بشكل خاص بتضرعاته وصلواته داخل بيته في دمشق.
هذا كان في بداية القرن الثامن، حيث كان الوليد خليفة العاصمة دمشق 705- 715 م و قد اتخذ في قصره “يوحنا الدمشقي” أميناً استشارياً، أي يشغل بمهمة جابٍ، نظراً لمعاملته الحسنة و البارزة في إطار صلاحيته التي تولّتها عائلته تقليدياً.
و في هذه الأثناء، نشأت في بداية القرن الثامن هرطقة حرب الأيقونات في مركز القسطنطينية على يد الملك لاون الثالث ملك بيزنطة؛ فتحرك القديس الدمشقي، الذي كان وقتئذٍ علمانيّاً، وانبرى للردّ على كل هرطقة لمحاربي الأيقونات المقدّسة، وكتب كثيراً من الرسائل كما تحدث شفهياً، وأنشأ بموقف شجاع ثلاث خطابات ضدّ هؤلاء، ولم يكن أحدٌ غيره يجاهد في هذا الأمر. ولما وصل الأمر لمحارب الأيقونات الملك لاون الذي كان معروفاً بأنّه مخادع ولئيم، وشى بخطاب عند الخليفة ادّعى فيه أنّه من عمل القديس يوحنا، في حين أنه أمرَ خطّاطاً كان موضع ثقة عنده بتقليد خط القديس يوحنا الدمشقي في رسالة بُعثت إلى الخليفة الأموي مرفوقة بأخرى بخط الملك ليكشف بها خداع القديس يوحنا كما ادّعى.
ويقول في الرسالة المزوّرة: “إنّ القديس مستعدٌ أن يساعده ضدّ الخليفة الوليد وأن يسلّم له العاصمةدمشق” ولما وصلت الرسالتان إلى الخليفة، و الخليفة كان يحبّ القديس يوحنا فاستدعاه وحقّق في أمرالرسالة فأجاب القدّيس: “الخط مشابه لخطي ولكنّي لم أكتب هذا و لم أرَ هذه الرسالة إلّا الآن.
لم يصدقّه الخليفة ، ولم ينتبه أو يشعر بالمكيدة التي حيكت له بالرغم من محبته للقديس؛ فأمر أن تقطع يد القدّيس يوحنا اليمنى و تعلّق في وسط مدينة دمشق لتكون عبرةً للكلّ.
نفِذَ الأمر مباشرةً، وعندما انتهى ذلك اليوم كان القدّيس يلتمس إلى الخليفة أن يرجع له يده المقطوعة. و عندما أذن له الخليفة أمسك القدّيس يده المقطوعة باليد اليسرى وعاد إلى بيته و سجد أمام أيقونة العذراء التي في غرفته، وبقي على هذه الحالة من خشوع و سجود جاثياً على ركبتيه طوال الليل باكياً يطلب شفاعة العذراء لتشفي يده وتكشف براءته، إلى أن تعب و نام فرأى في حلمه السيدة العذراء التي في أيقونته تقول له: “من الآن و إلى الأبد ستشفى يدك ولن تحزن مطلقاً، فقط تمّم الود الذي قطعته بأن لا تنقطع عن الكتابة ضدّ كل من يحارب الأيقونات.”
استيقظ القديس يوحنا و رأى الحلم حقيقة، يده كانت قد شفيت و عادت كما كانت؛ أمّا ما بقي فهو ذلك الخط الأحمر الرفيع (من أثر القطع) ليكون شاهداً لتذكار أعجوبة العذراء مع القدّيس.
ويقال أنّه بعد حصول الأعجوبة و نهوضه من النوم أنشد في الحال ترنيمة:” إنّ البرايا بأسرها، تفرح بك يا ممتلئة النعمة. محافل الملائكة، وأجناس البشر.
أيّتها الهيكل المتقدّس، و الفردوس الناطق، و فخر البتوليّة، لأن الرب جعل مستودعك عرشاً، و بطنك أرحب من السماوات. لذلك يا ممتلئة نعمة، تفرح بك كل البرايا، و تمجّدكِ “وكما يفعل المؤمنون عادةً عند طلب الشفاعة و الشفاء لأيّ عضوٍ من أعضاء الجسم، ينذرون نذوراً مختلفة من الذهب و الفضة ويضعونها على الأيقونات، كذلك صاغ القدّيس كفّاً من الفضة ووضعه على الأيقونة شكراً منه على العجيبة التي حصلت معه، ومنذ ذلك الحين سميّت الأيقونة ذات ” ثلاثة أيدي “، وبعد عجيبة الشفاء هذه التي حصلت مع القدّيس قرّر أن يغادر حياته العلمانيّة ليترهّب.
علم الخليفة بهذه العجيبة و اندهش من القوّة الإلهية و طلب من القديس مسامحته على العقاب غير العادل الذي أصدره بحقّه، فأعاد له كرامته كوزيرٍ سابق، ولكنّ القديس أخبره بقرار الرهبنة، فأذن له ان ينفصل عن حياة العالم.
ترك القديس يوحنا سوريا و ذهب ليترهّب في دير اللافرا الشهير للبارّ سابا المتقدّس الذي رقد في القرن السادس و كان يحمل معه أيقونته ” أيقونة ذات ثلاثة أيدي ” و بقيت هذه الأيقونة في الدير بعد رقاد القديس يوحنا الدمشقي.
حجم الأيقونة (1,11 طول ــ 0,91 عرض ) متر .و الأيقونة ذات وجهين؛ فخلفها لا يوجد خشبٌ عارٍ، و إنّما توجد عليها أيقونة بيزنطية مؤرخة للقديس نيقولاوس. و في كلّ عام و في / 12 تموز/ نعيّد لأيقونة العذراء ” ثلاثة الأيدي ” باحتفال رسمي طوال الليل طالبين الشفاء من العذراء الطوباوية أم المسيح عليه السلام.
Discussion about this post