يقول محمد شكري” أعتقد أن المصابين بإسهال الكتابة هم الذين يخلقون لنا قراء سطحيين..لم يعرفوا بعد كيف يختارون ما يقرأون..إنهم يكتبون كما لو أنهم يمارسون جمع الطوابع البريدية “..
و يقول فريدريك نيتشه هذا العصر يشبه عجوزاً فقدت عقلها ، مريضة. فاتركوها تصرخ، تكيل الشتائم، تهيج وتحطم الطاولة والأواني.
ورغم ان نيتشه ” يعتقد أنه من الضروري جداً أن يكون دائمًا هناك كتّاب رديئون ، لأنهم يرضون ذوق الأجيال الناشئة،التي لم تنضج بعد، لان هؤلاء أيضًا لهم حاجياتهم، تمامًا مثل الآخرين الناضجين، ورغم انني معتقد للمثل القائل “لكل جواد كبوة ، ولكل قلم عثرة ، ولكن شتّان ما بين كبوات الجياد وعثرات الأقلام،لان تلك لا تُردي الا فوارسها، أماهذه فتردي كثيرين وقد تلقي أمماً وشعوباً باسرها في هاوية عميقة من التعاسة والشقاء نحن اليوم نسبح في مستنقعات ثقافية آسنة ، تعجُّ بثغاء التفاهة ولغو الإبتذال، وكثير من السطحية في التفكير ، و لا يطفو على سطحها إلا الوقحاء والأدعياء ، وكثير من بلهاء الشعر و ثرثاري الأدب الفارغ.
أحياناً ، ألزم نفسي، بأن اقرأ لهم ما يكتبون، عشرات المرات ولا أفهم ، ثم أعيد القراءة ، وأنا على شكٍ بمقدرتي على الفهم ، فلا أجد شيئاً،وحين أقرر أن أعمل عقلي في مراميهم ، وأهديهم هدأة خاطري، والشك بعاقليتي..
أجدني أخيرا ، قد ضيّعت وقتي بغثاثٍ منْ اللغو التافه ، وبدّدت طاقتي في هذر منمق فارغ، أو حشوتُ رأسي بعبارات سميكة من غبار اللغة المقيتة .
هم متعلمون صغار، يهرولون أمام المنابر ، ويعتلون قوس المناصب، ثيابهم كأذهانهم رثة ، ونفوسهم متعجرفة غثة .
هم يقرؤون في اتجاه واحد، فقط كي يعززوا ما يعتقدون من خرافات ومعتقدات وعادات وآراء سابقة ، لذا فلا غرابة أن يكون الحكم لديهم واحداً ثابتاً، والوعي فقيراً ، والرأي يابساً انهم لا يعون ماذا يجري في هذا العالم الواسع من حولهم ، ولايعرفون ماذا يريدون . ولا يريدون ان يعرفوا سوى انهم اصبحوا مشهورين وحسب.
و لا مآل لحضورهم الباهت، البارد المتشابه ، في اي نقاش او حوار سوى أن يضعوا إشارات التعجب أمام كل شيء ..
فقط كي يوهموا افهام من حولهم ، بأنهم رواد فكر كبار ، وأنهم الوحيدون الذين يحملون أعباء الفكر والرأي والأمانة والضمير الحق.”
غاية مراميهم الادانة وإشهار النقائص والحكم على الاخرين، يسمعون لكنهم لا يصغون مع أحد ، و لا يعنيهم بتاتاً ، الحوار والبناء أو الفهم .
لا شيء يميزهم عن الغوغاء ، سوى اللهاث وراء المديح وحب الظهور وسُعار الشهرة.
والركض وراء الأماسي الشعرية التي تتقاذف علينا كل يوم، في هيئة قاعات باتت تعرفهم جيدأ ، وتعرف أن لا زوار جدد فيها ، ولا رواد فكر .
لا احد هناك في المشهد الثقافي سوى قصاصون وشعراء ، و بعض فطاحل هذر الادب السطحي، الذي لا يستند على أية معارف فلسفية أو لغوية أو حداثة .
هم يلوكون ذات المعنى وذات المبنى، في كل مرة ، ويعيدون ذات الملاحظات لكل جلسة وكتاب، ذات العبارة وذات الجملة وذات المعاني ، فقط يقدمون الفاعل على المفعول ، أو يتصنعون في تشكيل العبارة وجزالة اللغة.
لايسأمون أو يتأففون ، أسوأ ما فيهم أنهم جائعون ومشهورون ، وأحسن ما لديهم أنهم لا يموتون سريعاً .
قصارى القول:
يقال أن التفكير الزائد في بعض الأمور التافهة يجعل منها مهمة ، بينما لا يتطلب الأمر إلا نظرة سريعة.
ليتنا نستطيع حقاً فعل ذلك، بأنْ نمرّ على حضيض هذا الواقع بنظرة سريعة ، أو بإلتفاتة لا مبالية ،لكن للأسف الشديد ، يبدو ان الأمر أضحى فوق طاقتنا على الصمت و فاق مقدرتنا على الاتزان وضبط النفس.
لطالما نحن نشهد عصراً فريداً، تنتشر فيه التفاهة، بحماسة منقطعة النظير، إلى درجة تخال أنها باتت طاقةً كونية مبثوثةً – بفعل فاعل – في ثنايا الفهم الإنساني كافة، أو كأنها أضحتْ لوناً ضرورياً ، لكلّ ساعٍ إلى شكلٍ لوجود ما ، أو باحث عن ثوبٍ لمعنى مختلف .
الأنكى بالنسبة لي ، حين أرى جموعها ، تسعى بدأبٍ غريبٍ ، لأنْ تكون في الناس، نبراساً للحلم والمعرفة ، و موضعاً للإطراء والتصفيق في كل مكان .
كما انه في رأيي المتواضع اذا لم يحصّن الأديب موهبته القصصية أو الشعرية، بالتعمّق الفكري، والقراءات الفلسفية والمعرفية ..سيظهر إنتاجه الأدبي – أياً يكن ( من شعر أو قصة أو رواية ).. مجرّد هشيم من الكلمات الفارغة، وهراء رخيص ومقيت ، ولعب لغوي هش ، مُشكل من تعابير مُرَكّبة او مزقات خيالية ممجوجة تفسد بعضها بعضاً ..
مهما أجاد في صنعة النحو ـ أو تحصّف بأسريات البلاغة ،
فلن يضف إنتاجه مع الزمن إلى الغبار الذي يتكدّس فوقه ، سوى تدرج باهتٍ مألوفٍ في اللون الأصفر للهراء ..
وستكنسه الذاكرة المعرفية – عاجلاً أو آجلاً ، بلا أدنى صخب أو ذكر ، أو حتى رثاء..
وفي رأيي ان القلمُ الذي يَعلوهُ حِذاءُ الإستبداد ( سواء الديني أو السياسي أو الاجتماعي .. الخ )لن يَخطّ للأجيال سِوى التُرَّهات اللغوية ،ولن يسكب سوى أدبياتٍ مكرورةٍ وافكار مجرورة ،ولن يفيض سوى شعرٍ سَطحيٍّ،وإطنابٍ مقدس في مديحِ جَهالاتِ طغاة الفكر وكوارثهم ،كل هذا سيحدث لا لسببٍ سوى لأنَّ الإبداع الحقيقي ، مِدَادهُ الصِّدق مع النفس و جوهرهُ فضاء الحُرِّية.
حرية التعبير والاعتقاد أولاً وهؤلاء لايملكون هذا! لعلهم القوم الذين تأسّف عليهم ذاتَ يوم جبران خليل جبران قائلاً :يتكلمون كالبحر بينما حياتهم شبيهة بالمستنقعات، ويرفعون رؤوسهم فوق قمم الجبال بينما نفوسهم هاجعة في ظلمة الكهوف.
لانه في زعمي سبب إنتشار الجهل..أن من يملكونه متحمسون جدا لنشره “.!فمن ينقذنا منهم لانه يوجد الكثير من المحسوبين على المشهد الأدبي يدعون محاربة الرداءة و يرفعون حناجرهم عاليا بضرورة تنظيف و تنقية المشهد و في نفس السياق تجدهم يسايرون موجة الرداءة و التفاهة على صفحاتهم من خلال الإشادة و الإعجاب بالتافهين لإعتبارات عاطفية و مناطقية و مجاملاتية لا علاقة لها بالثقافة و الأدب…هؤلاء الذين نسميهم ب مثقفين و نخبة كيف تطلب منهم آراءهم في قضايا كبرى مثل الشأن العام و المشهد السياسي و الإجتماعي للبلد و هم لا رأي لهم حتى في مجالهم الذي يمارسون فيه هذا الزيف. و هذا التطبيل.!.
انا منزعج جدا من هؤلاء الدخلاء على الساحة العلمية والثقافية وفي فمي ماء كثير، ودَدتُ لو أقذفه في وجوهٍ كالحةٍ أكثر ، لكن خطوب إنسانيتي أمسكتني عن الرد عليهم ، و جعلتني كائناً هشاً ، إلى درجة لم أعد أمتلك فيها اليباس الكافي، لأكون قاسياً معها كما ينبغي .. من يدري ..؟! ربما لا أريد أن أبقى وحيداً بينهم ،أو راقداً لوحدي ، كسمكة ميتة ، تُحدّق فيهم عبر شبكة صياد بليد ، او لعَلّ نضجي ، أفقدني حماسة التمرّد ،وبت اخاف حتى من مغادرة المياه الٱسنة العكرة التي ارفضها، في هذا الوجود الثقافي، الملوث بالدجل والنفاق و المثير للغثيان.
Discussion about this post