نشأت البوذية في شمالي الهند على يد شاب يدعى سِدهارتا غوتاما، والذي ولُد في منتصف القرن السادس قبل الميلاد لأسرة أرستقراطية هندوسية، فكان والده زعيما لقبيلة شاكيا التي تستوطن سفوح جبال الهيمالايا داخل حدود نيبال اليوم.
وتقول الأسطورة إن والدته تلقّت في المنام نبوءة أثناء حملها بأنه سيكون ذا شأن عظيم، وعند ولادته لاحظ والده علامات في جسده تتوافق مع النبوءة، فكان مؤهلا لأن يكون إما حكيما أو ملِكا عظيما، لذا حرص والده على تدريبه تدريبا عسكريا مميزا، مع إغراقه منذ طفولته بكل متطلبات الحياة الرغيدة، كي يصرفه عن الاحتمال الأول.
لكنه عندما أصبح شاباً ونزل الى الشارع رأى سدهارتا في المرة الأولى عجوزا، ثم مريضا، ثم التقى بجنازة أحد الموتى، وكان يعود إلى قصره في كل مرة ليتأمل في طبيعة الحياة، حتى رأى في المرة الأخيرة ناسكا متسوّلا، فقرر أن يختار لنفسه هذا الطريق، وكانت تلك هي بداية تحقق النبوءة التي حاول والده إبطالها.
غادر سدهارتا القصر ليبدأ طريق البحث عن معنى الحياة، وتلقى مبادئ التأمل من بعض النساك، فسبق كل المعلمين في بلوغ حالات الاستغراق التي يغيب فيها الوعي، ثم أخذ يجرب التقشف في حدوده القصوى، فكبَح كل شهوات جسده، واكتفى بملعقة طعام كل يوم، حتى شارف على الهلاك، فاقتنع أخيرا بضرورة اختيار “الطريق الوسطي” بين التقشف والرفاه.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان يمارس عادة التأمل تحت شجرة تين، اكتشف حالة اليقظة الكاملة التي كان يسعى إليها (التنوير)، والتي أطلق عليها “النيرفانا”، فيقال إنه رأى سلسلة الحيَوات السابقة التي كان يعيشها، ثم اكتسب بصيرة خارقة كشفت له رؤية ميلاد ووفاة كل الكائنات، وقبل طلوع الشمس، تلقى معرفة تؤكد له أنه قد تخلص من كل ما يدنس روحه ومن كل شهوات جسده إلى الأبد.
تقول الأسطورة إن سدهارتا ظل يفكر 7 أسابيع فيما يفعله بعد ذلك، ثم ألهمه أحد الآلهة بأن تعليم الناس هو الخيار الأمثل، فانطلق ليبشر بما تلقاه من “تنوير”، وقد أصبح اسمه بوذا أي المستنير، وسرعان ما آمن به 5 من أصدقائه ليشكلوا أول نواة للرهبنة، ثم اتسعت دائرة الأتباع ممن نجحوا في تكرار تجربة بوذا، لكن اللقب ظل حكرا عليه لكونه المكتشف الذي تلقاه بنفسه وليس تعليما من أحد.
ويقال إنه ظل ينشر تعاليمه في رحلاته بشمال الهند، حتى مات في سن الـ80، وهو في أقصى حالاته التأملية،
ودخل بذلك حالة “النيرفانا” الخالدة.
تحدَّث سدهارتا (بوذا) عن 4 حقائق؛ لتُشكل أركان الدين الجديد:
الأولى هي “المعاناة”، وتعني ضرورة فهم قيام الحياة الإنسانية على مبدأ المعاناة المتواصلة، منذ الولادة وحتى الممات.
والحقيقة الثانية : هي “أصل المعاناة”، ومعناها أن الانسياق وراء الشهوات هو أصل المعاناة، وأن الجهل بهذه الحقيقة يولّد الشهوانية والحقد والوهم، ثم تتولد عن هذه الأصول كل الرذائل.
والحقيقة الثالثة: هي “إيقاف المعاناة”، والتي تؤكد إمكانية كبح الشهوات، ومن ثم القضاء الكلي عليها.
أما الحقيقة الرابعة: فهي “الطريق الذي يؤدي إلى إيقاف المعاناة”، وهو مؤلف من 8 مراحل، ويسمى بالدرب الثماني النبيل، وهي مصنفة بدورها داخل 3 فئات، فالفئة الأولى هي الحكمة التي تشمل الرؤية الصحيحة والعزم الصحيح، والثانية هي فئة الأخلاق التي تضم الكلام الصحيح والسلوك الصحيح والعيش الصحيح، وأخيرا فئة التأمل التي تشمل الجهد الصحيح والوعي الصحيح والتأمل الصحيح.
وبالنتيجة، يعتقد البوذيون أن من يلتزم بهذه التعاليم سيصل إلى مقام العصمة عن الخطأ والتخلص التام من الشهوات، وهذه غاية لا نجدها لدى الأديان الأخرى، فحتى الأنبياء والملائكة لا يبلغونها .
Discussion about this post