لو أننا منصفون حقا وممن ينزلون الناس منازلهم ويكافئون الذين أحسنوا في عملهم وأجادوه لكانت سيرة الشيخ الجليل العالم العلامة عبد الفتاح القاضي تدرس الآن لطلبة المدارس في بلادنا، ليطلعوا عليها ويقتدوا بذلك الرجل الذي يعرفه العالم كله، ويعلم الكثيرون فضله وقيمته، ومع هذا ربما يجهله غالبية أهل بلده الذي ولد ونشأ فيه وينتسب إليه، والشيخ الجليل العالم العلامة عبد الفتاح عبد الغني محمد القاضي ابن مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، ولد في يوم 14 أكتوبر من سنة 1907، وحفظ القرآن الكريم وتلقى دراسته الأولية بالأزهر الشريف، ثم التحق بجامعة الأزهر وحصل على شهادة العالمية، وبعد ذلك حصل على إجازة التخصص القديم في التفسير والحديث سنة 1932 وهي ما تعادل شهادة الدكتوراه حاليا.
وخلال دراسته العليا كان تلميذا لدى أكبر علماء الأزهر الشريف في زمانه ومنهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر محمود شلتوت وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر محمد الخضر حسين، وقد تولى الشيخ عبد الفتاح القاضي مناصب كثيرة منها رئاسة قسم القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر، كما أنه قد عين مفتشا عاما بالمعاهد الأزهرية، ثم وكيلا عاما للمعاهد الأزهرية، ثم سافر الشيخ الجليل إلى المدينة النبوية المنورة، وشارك هناك في إنشاء وتأسيس كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية وتولى رئاسة قسم القراءات فيها طوال حياته وحتى وفاته.
والشيخ الجليل له عدد كبير من المؤلفات والمصنفات يتعدى العشرين مصنفا منها “الوافي.. شرح على الشاطبية في القراءات السبع” و”الإيضاح.. شرح على الدرة في القراءات الثلاث المتممة للقراءات العشر” و”النظم الجامع لقراءة الإمام نافع” و”القراءات في نظر المستشرقين والملاحدة” و”الصيام وأحكامه وسننه” وغيرها، وقد برع الشيخ في تصنيف كتب في علم القراءات بنظم الشعر الموزون المقفى بجانب ما تمتع به وحباه الله من العلوم الشرعية.
وقد تم تعيينه عضوا ثم رئيسا للجنة تصحيح المصاحف بمجمع البحوث الإسلامية، وعضوا ثم رئيسا للجنة اختيار قراء القرآن بالإذاعة المصرية، وكان اسمه يكتب كمراجع ومصحح في آخر صفحات المصحف الشريف المطبوع بمصر والسعودية، وهو يعتبر معلما وأستاذا للعديد من مشاهير القراء والعلماء في مصر والعالم الإسلامي، ومن أبرز تلاميذه الشيخ مصطفى إسماعيل الذي نصحه الشيخ محمد رفعت بمراجعة قراءته على يد الشيخ عبد القتاح القاضي.
كما تعلم على يديه أيضا كل من الشيخ محمود خليل الحصري والدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور زكريا البري وزير الأوقاف الأسبق، كما تعلم على يديه بالمدينة المنورة كثير من القراء المشاهير مثل الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي والشيخ إبراهيم الأخضر وغيرهما، والشيخ الجليل عبد الفتاح القاضي رحمه الله تعالى وإن كان مجهولا من قبل الكثيرين، لكنه يكفيه أن أهل السماء يعرفونه أكثر من أهل الأرض، ويكفيه أنه عاش حياته كلها محفظا ومعلما لكتاب الله تعالى ومدافعا عن القراءات ضد مطاعن المستشرقين حتى وفاته في الأول من شهر نوفمبر سنة 1982 عن عمر تعدى 75 عاما.
Discussion about this post