عَنْعَنَات كاتب فاشل

رحيم جماعي / تونس

(1)
عن :
وردة العمر الّتي…
ذبُلت باكرا
صاحبي في…
عزلة الجنوب البعيد
أمّي وأغانيها الحزينة
الّتي تقرع أجراس روحي
فتوقِظُني بعدَ…
أنصاف الّليالي
الكؤوس الطّافحاتِ…
بدموع النّدم
العوانس الوحيدات
في ليالي الحُرقةِ…
والأنين الذّابح
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(2)
عن :
فاطمة في برودة القبر
الفقدان في عيون اليتامى
الغيوم العقيمة…
في سماء الجنوب
الشّعراء الّذين غَدَوْا…
أطيافًا من فرط نُحولهم
أسطح العمارات الكئيبة
مأوى المشرّدين…
في ليل العواصم
الثّورات الّتي…
افترست أبناءَها
ولَعقتْ كالمفترسات أصابعَها
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(3)
عن :
النّخيل الواقف…
في جفاف الصّحارَى
النّسوة المُجرّحة أَيْدِيهنّ
من أَثَرِ الحَلْفاءِ…
في السّباسب والتّلال
المذلّة السّاطعة الّتي…
أطفأتِ الضّوءَ…
في عيون المتسوّلين
وحدة الغرباء الحزانى
في الحانات الضّاجّةِ…
بالذّئاب والمارقين
بَرْدِ السّجون والوحشة
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(4)
عن :
رسائل الوداع المُرّة
تغريبة البدوِ…
والطّوارق والغجر
“الرّفاق” بكامل غدرهم
المقاعد الشّاغرة من العشّاق
في الحدائق المهملة
الكائنات النّحيلةِ…
وهي تذبل في الخريف
القصائد الماكرات
والرّوايات الّتي…
لم يكتبها أحد
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(5)
عن :
المنافي ومسامير الحنين
الرُّهبان والشّهوات الحبيسة
السّموم الجزيلةِ…
في كؤوس المَحبّة
الفقراء في شتاءات البلاد
قلبي الّذي كسّرته النّساء
السّعال المجروح…
في أوّل الفجر
خشخشة السّجائر الرّخيصة
في بيوتات صدري الخَرِب
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى في الكتابة.
(6)
عن :
الأرامل المُسرفات في التّناهيد
الثّكالى الطّاعنات في النّواح
عُواء الذّئاب الجائعة…
في ليالي ريفِنا البعيد
صهيل الخيول المُكبّلة
المُشتاقة لاتّساعات البراري
ضوء الّله الباهر
في قلب صديقي الضّرير
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(7)
عن :
السّالكين دروب التّيه العظيم
خربشات الغرباء الخائفين
على جدران المُدُن الخلفيّة
الأوْشام المُذِلّةِ…
على جِباهِ العبيد
الأطفال المتسوّلين
وفي القلوبِ الصّغيرةِ…
أحلام ومَدارس
الذّنوب الجسيمة الّتي…
تَئِنُ تحت أَثْقالِها روحي
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(8)
عن :
الثَّمِلِين بأحزان مُعتّقة
في الحانات الرّخيصة القذرة
العشّاق المخذولين بحبيباتهم
الهائمين في وادي النُّحول
ليلى الّتي…
تعبُرُ الآن…
الطّريق إلى…
بيت رجل آخر
الأشواق المزمنة الجائعة
آكِلات القلوب والأعمار
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(9)
عن :
الخطاطيف الّتي بَنَتْ…
أعشاشَها في…
أركان بيتنا القديم
ثمّ هاجرت شمالا…
حين أقفرَ البيت
القبور بلا شواهد
في التّلال المنسيّة المهملة
أشواك الدّروب الطّويلة
الّتي يَسْلُكُها الْيَحْزَنُون
عن كلّ هؤلاء…
تُصيبُني عدوى الكتابة.
(10)
عن :
نواح الحمام البرّيّ
في أعالي الجبال الجرداء
أرصفة المدائنِ…
المرشوشة بالحيارى
الكساد في…
سوق الرّجال
الفراغ الموحش
العاوي في مدينة النّساء
باعة الوَهْمِ…
في “حانة الكون”
خيام الّلاجئين…
في العراء العميم
عن هؤلاء جميعا…
يُحالفني الفشل في الكتابة.