أعرفُ _يا جدي العطيمَ_
أن الأسواقَ شرُّ البقاع،
لكنني لم أتوقف مصادفةً أمام وصاياك
الوصايا التي نقَشتَها
على بوَّابةِ سوقٍ فرعونيٍّ قديمٍ،
أيها التاجرُ الأقدم.
ربما لم تُلقِ المعرفةُ في حجريَ الأمينِ
ما أستطيع به تفسيرَها
لكنَّ الشعرَ فَعَلْ؛
ولذا_وفاءً للربيعِ_
سأعمَدُ إلى سنةٍ في رَيعان إبريلِِها،
وأختزِلُها في زهرة لوتسٍ واحدة
ذاهبَةٍ في التفتُّح بتؤدةٍ وأناة.
لم يكن زهرُ اللوتسِ _في زمَانكم_
يكترثُ للرِّئات التي لا تُحسن تَلَقي الهواءِ العَطِرْ.
لكنه_بلا هوادةٍ_ كان يُمزِّق رئاتٍ
تتلَّقى الهواء العَطِنَ كما تتلقى الرئاتُ السَّوِيَّةُ
هواءَ الربيع.
هكذا تقول الأسطورة
أما الشعر فيقولُ_وأنا من المصدقين_
“إنَّ في وُسعِ زهرة اللوتس حين تتفتحُ بتؤدةٍ
وأناةٍ في رئةِ شاعرٍ أن تمتدَّ كذراعٍ هائلة”
وأما أنا، فسوف أوصي كفَّها
أن تُرَبِّت على كَتفِ مُعجَمٍ صامتٍ،
يجلسُ أسيانَ، مُسنِدًا ظهرهُ إلى جدارٍ في السوق، وجبهَتَهُ إلى صفحةٍ من كتاب الموتى، مستلقيةٍ على رُكبتيهِ المضمومتين.
بينما تتعالى نداءاتُ الباعةِ
في حانوتٍ رخيصٍ مْقابِل.
ودفاعًا عنهُ_عن الربيعِ_
سأُتركُها تقامرُ بأصابعها
بَل وأَحرضُها على
خوضِ مغامرَة اقتلاع النقوشِ المعتِمة
النقوشِ التي اتخذت_مُخادِعةً_هيئةَ الورد
لتنغرسَ في طينِ حمالاتِ الصدر الرّخيصِ جدًّا
إلى الحدِّ الذي تعجزُ عن كُلفَتِهِ النُّهودُ العفيفات.
بينما لِسواهُنَّ_لسِوَى العفيفاتِ_
يُنادي الباعةُ مُلَوِّحينَ ببضاعَتِهم المُلوَّنةِ
بالورديِّ، الرماديِّ، والبنيِّ الشاحبْ
البُنيِّ الذي يزدادُ شحوبًا كلمًا اندلقَ بعضُهُ
على شامةٍ بين كتفي بَغيٍّ نصفِ مُتخفيَّة.
شامةٍ تُظهِرُ انحرافًا زائفًا إلى اليمين؛
لا لشيءٍ سوى لأنها امرأةٌ عسراء.
امرأةٌ ورديةٌ، أو رماديةٌ، أو بُنيَّةٌ شاحبة؛
وألوانٌ أخرى، تتقَّلبُ فيها؛
حسبما تُمليهِ مواسمُ الشبقِ، أو المنفعةِ،
أو تقتضيهِ الشامةٌ الداكنة
تلك التي غَرَسَها أحدُهم في سنوات غفلَتِهِ
العِجافِ السبع.
قبلَ أن يكتمل عُمر بصيرَتِهِ سنةً واحدةً
في ريعان ربيعها، وشهرًا يتسعُ لتتفتَّح
في رئتيهِ بِضعُ قصائدَ دفاعًا عن الربيع.
قصائدَ يرفعُ المعجم وجههُ
مُبديًا ابتسامةً راضيةً بها،
وساخرةً من نداءات الباعة الرخيصين
ولئك الذين تنمو في الظلامِ نقوشُهم المًعتمة
تلك التي يدَّعونَ لها في نداءاتهمُ اسمَ الوردِ،
ولمواسمها صفاتِ الربيع.
هناكَ، حيثُ يقعُ كلٌّ على حصَّتهِ
من الشامةِ الداكنة
قبلَ أن يخلعوا هيئتهم ونداءاتِهم
ويخرجوا ليكلموا العالمَ
في أمرِ المروءةِ،
القيمةِ،
والفضيلة.
بَل..ربما استدعَوا طنينَهم
ليتجاسروا على مديحِ الربيع نفسِه.
بينما يتكفلُ الربيع بالنظر إلى تمثال التاجرِ المصري الأوَّل
_وقد جعلَ أصابعهُ في أذنيهِ_
مُنصِتًا إلى تمتماتهِ
بابتسامةٍ خَجلىٰ لشاعرٍ وديع
أو أُخرى حياديةٍ لشاعرٍ يخلعُ المجازَ
ليعدكم بقصيدة باتَّةٍ
ملائمةٍ للقراءة في محكمةٍ جنائزية.
بقلم
محمد أبوالعزايم
Discussion about this post