يرى المفكر مالك بن نبي في كتابه مشكلة الثقافة: “ان الإنسان الإفريقي في المرحلة الحاضرة مِن تطوره لا يستطيع أن يدَّعي دور المُوَجِّه للإنسان المتحضِر ليرفعه إلى مستوى الأخلاق الإنسانية.. فالإنسان المتحضِر كبير بشكل يستطيع معه أن يتخبط وحيدا في مشاكله نترك له بمحض وسائله أن يرتبط بهذه المبادئ أو يتخلى عنها”.
رغم مرور أكثر من نصف قرن على صدور هذا الكتاب، وفي ظل مايشهده الغرب مِن تدهور أخلاقي لِما بعد الحداثة، نسمع مؤخرا المواطن في الدول المتخلفة يُردد بِيَقين ومُكابرة أهذه الحداثة التي تبتغونها؟ أهذا الغرب الذي تتبعونه؟ فقد غفل المسكين عن فضل أدواته وأفكاره المعمول بها اليوم، وأخذ يترصد بِلَهفة سقطات العالم المتحضِر مُتناسيا أنّ مشاكلهم تُمَرَّر لنا حتما وعواقب فشلهم فشل لنا أيضا.
بين مشكلة أخلاقنا وأخلاقهم أشواط، يمكن المقارنة بينهما في النقاط التالية:
مشكلة أخلاقهم واقصد هنا الغرب بصفة عامة حسب اعتقادي نابعة عن القفزة الفكرية والعلمية في أواخر القرنين الفارطين، تحررهم من الأوهام خوضهم في قضايا الحرية بتعقيداتها، وتَوَلِّيهِم القيادة والمسؤولية الأولى في كل مشكلة مستحدثة تَحُلُّ بالعالم، جعلهم في الواجهة أمام مئات الطرق فتاهوا بعلمهم الذي سبقهم، وماكان لهم إلا أن يتراجعوا خطوات للوراء متداركين أهمية كامل تركيبتهم الإنسانية (النفسية والروحية) بعد إقتصارهم فقط على الجزئية المادية.
بينما مشكلة أخلاقنا أننا لم نرقى بعد لأساسيات الحياة نحن نعيش التدني في كل القطاعات الاجتماعية الاقتصادية السياسية والثقافية ووو، نحن لم نواجه ما واجهوه ولازلنا غير قادرين على العيش المشترك وتحقيق العدالة والتنظيم في شوارعنا وتَقَبُّل إختلافنا، بينما هم قد طرحوا وتجاوزوا هاته الإشكاليات منذ عقود طويلة.
إذن سوء أخلاقهم نابع عن حرية وتعدد، سوء أخلاقنا نابع عن غريزية وعبودية، سوء أخلاقهم نتيجة عالَم عَلِمَ أكثر مما ينبغي أن يعلم فَضَيَّعَ التحكم وتَعَثَّرَت خُطَاه، سوء أخلاقنا نتيجة جاهلٍ لم يَبْنِي بَعد ثُلاثية “تسامح فَثقافة فَحضارة”، سوء أخلاقهم دَمَّرَ الحياة الشخصية، سوء أخلاقنا أَنْهَكَ المصلحة العامة وغَيَّب الإحترام والعمل المُتقن، إذن في حين أنّ سوء أخلاقهم نِتاج كَمَالِيَّات العيش فإنّ سوء أخلاقنا دافِع ضروريّات النجاة
كما ان سوء اخلاقنا وسوء اخلاقهم تتلاقى في احدى افكار
الفيلسوف الألماني نيتشه حيث كان يرى أن الأخلاق لدى معظم البشر تتأثر بالجمال. على سبيل المثال; معظم البشر عندما يرون سيارة تدهس صرصوراً لن يتأثروا ولن يتعاطفوا مع الصرصور، ولكنهم سيتعاطفون بالتأكيد مع طائر ملون أو قطة تدهسها السيارة.
أيضاً من غرائب النفس البشرية، قد تجد امرأة رقيقة القلب تعطف على كلب جائع وتُطعمه قطعة لحم من جسد حيوان آخر تم قتله، فتتعاطف مع الكلب ولكنها لا تتعاطف مع الحيوان المقتول.
النفس البشرية معقدة للغاية، وفهمها قد يكون صعباً مثل صعوبة فهم الكون بأكمله وبهذا رغم اختلاف اخلاقنا الا اننا نشترك في هاته النقطة الهامة التي افسدتنا كبشر.
في الواقع، نحن لسنا قادرين على فهم مشكلتهم الأخلاقية كماهم إلا اذا شهدنا تفاصيلها في بيئتهم بِعَيْنِ مِنظارهم ومعطياتهم، كما أنهم غير قادرين على حل مشكلتنا كعالَم متخلف إلا بقدر مايؤذوننا؛ ذلك أنهم أولا سبب في تخلُّفِنا باستعمارهم، وثانيا لأن جسرهم الذي بنوه نحو الحداثة لن يخدم إلا حداثتهم، لذا وجب تصنيع جسر حداثتنا وفقا لبرنامج ثقافة يتماشى مع معطياتنا دون انعزال عن العالم من جهة، ومنفتحا على اكتشافات العالم من جهة أخرى للدخول في مشهد العصر التكنولوجي كفاعِلين مستقبلا وليس فقط كمشاهدين مؤقتا.
Discussion about this post