بقلم الكاتب
أنيس ميرو- زاخو
في أغلب المجتمعات الشرقية والمتخلفة هناك دوما انحياز للطفل( الذكر )على حساب الطفلة (الأنثى )وهذا ما يؤدي لاضطراب الحالة الفكرية والنفسية والحسية للطفل والطفلة معا ، لقد رزق السيد (وليد ) بطفل ذكر و قبلها بثلاث بنات فكان الأقرباء والأصدقاء مصدرا للإزعاج للزوجة أولا ثم للزوج بسبب ولادة البنات سمي ب ( سمير) وفرحت العائلة فرحة كبيرة كما فرح بلا شك الأقرباء والأصدقاء ممكن كانوا مهتمين بذلك وبعد سنتين تم ولادة طفل آخر سمي ( خليل ) .
كان طفلا جميلا للغاية بحيث أمه كانت تتعمد أن لا تعرضه للآخرين وتختلق الأسباب لذلك خوفا عليه من الحسد . وبعد سنتين تم ولادة طفل ثالث سمي ( مجيد ) ومرت الأيام والسنين بفرح وسلام على ما أنعم الله على هذه الأسرة المتوسطة الحال ، ومع بداية نجاح البنات وتكملة المرحلة الإعدادية بنجاح وتفوق تحولوا لمرحلة الجامعة وكلما كبروا تزداد مسؤوليتهم وحاجاتهم وطلباتهم وكان الراتب دون المطلوب ، وغالبية (الثروة الوطنية كانت تذهب للشعارات الملونة )ورغبات السياسيين وشخصياتها هنا وهناك .
مما جعل الشعب العراقي يدخل بحروب مصطنعة مخططة من قبل دول مجاورة وكلها على حساب الشعب العراقي البريء الذي اصبح يدفع ثمن كل هذه الحروب مما أدى على فرض الحضر على الحكومة العراقية وشعبها ، لأن الحكومة صورية ومن يديرها اشخاص غير اكفاء ، بدأت الأمور والظروف تختلف لأسرة (وليد )من حيث الإمكانيات المادية من أثر تحول الحكومة لسياسات غير واقعية و الشعارات الزائفة والتي أسهمت بزوال هذه الحكومة وفقد أرواح القيادة السياسية بشكل مهين نتيجة عدم التوازن السياسي وظهور الفوضى الفكرية والإدارية الهدامة ، وتوالت بعدها قيادات سياسية متنوعة فاقدة للشرف الوطني والاجتماعي بسبب السرقات والفساد والأنانية العلنية والمخفية على حساب الشعب العراقي المضحي الأول …، وللرئاسات الثلاثة تاريخ فاضح سوف يذكر في كتب التاريخ فالتاريخ لا يرحم أحدا وسوف تنشر فضائحهم للأجيال القادمة …؟
كما ذكرنا أصبح الأولاد الثلاثة أيضا في مرحلة الجامعة والأخير (مجيد )اختار إعدادية الصناعة وبدأ الضغط المادي ينعكس على الأسرة وبعد طول صبر وبحمد الله وشكره ونعمه تم تجاوز هذا الوضع الاجتماعي الصعب ، تخرجت البنات من الكليات تباعا ، مهندسة ، وخريجة معهد ، وخريجة كلية ، وكذلك الأولاد كمل احدهم كلية القانون والآخر كلية العلوم قسم البايلوجي وكان هذا الشاب طموحا جدا يحب الخير لأهله وللمحيطين به ،وكانت له مواقف نبيلة ظهرت أكثر كلما كبر و، يتمتع بأخلاق حميدة وصفات قد لا تتوفر لدى من بسنه .
ولكن ( خليل ) كان يشعر بالخجل خاصة بعد تخرجه وعدم إيجاد عمل وعدم وجود فرصة للتعيين أو العمل في مكان محترم تليق بشهادته مثل آلاف الخريجين التي تراكمت دفعات التخرج سنة بعد أخرى وهذا من السياسات الخاطئة التي أصبحت أزمة من ضمن الأزمات العديدة على الشعب العراقي وأصبحت صورة عادية أن تجد الخريج بعد دراسته والحصول على الشهادة تجده في الشارع حمالاً او يبسط بسطة يبيع فيها أشياء بسيطة وهكذا في مجالات أخرى لا تليق بعلمه وفكره وشهادته ، والأرصفة حملت الكثير من هؤلاء المساكين بلا عمل الذي أثر على نفسيتهم وعقولهم ليكونوا بعدها مدمنين على المقاهي واستنشاق دخان النركيلة وأمور أخرى معيبة كتعاطي المشروبات الكحولية والممنوعات ، حدثت هذه المأساة الكارثة المجتمعية من آثار السياسات الفاشلة التي تعاقبت على شعب العراق المغلوب على أمره ، قيادات فاشلة وإدارة تعم بالفوضى وتحويل الثروة الوطنية لحسابات في الخارج على حساب تجويع وحرمان الشعب العراقي من البصرة إلى زاخو .
بدأت المعاناة الأسرية لغالبية الأسر العفيفة تزداد كل يوم ، مما أدى إلى طرح فكرة على (خليل )للذهاب إلى (تركيا )أو (قبرص )لإكمال دراسته والحصول على شهادة الماجستير ولكنه أبى كونه كان يحس بمعاناة أهله ولن يقبل والده يصرف عليه بعد كل هذه السنين من التعليم والتخرج ، وقال (خليل )( سوف أدرس الماجستير وبعدها الدكتوراه من مالي الخاص بعد أن أجمعه من عملي الشخصي …) ، وكان (خليل )دوما مثالا للاستقامة والعفاف بأخلاقه وفكره وتصرفاته ومن خلال أسلوبه وتعامله مع الآخرين ، وفي فترة قيامه بالتدريس (كمحاضر)في المعهد الفني كان يطور نفسه وإمكانياته العلمية والفكرية حيث بدأ يتعلم اللغة الإنكليزية والتعرف على حضارة الشعوب الأخرى وعلى كل جديد يخص عمله و اختصاصه كان مكتبه فيه كتب مختلفة متواصلا دوما بالجهات العلمية عبر النت لتطوير قابلياته في مجال دراسته .
وكان يحرص دوما على تمارينه الرياضية في صالة الألعاب الرياضية القريبة من البيت بل قام بشراء عدد من الأجهزة الرياضية للمنزل ، كان يتباها يجسمه الرياضي لأسرته وكانت العائلة تشجعه على ذلك ، وتلاحقت الأيام للأحسن وللاستقرار من حيث الإمكانيات المادية بعد أن تولت الحكومة باسترجاع قدر معين من رواتب الموظفين ، واستمر (خليل )يطور من فكره ولياقته البدنية بل أراد أن يشارك في إحدى المسابقات المحلية ، (خليل )كان شابا ذو خلق كريما وأنيقا وجميلا وبمساعدة أحد الخيرين تم إيجاد فرصة عمل جيدة لإخراجه من دائرة الخجل من دون عمل ، ذهب لصاحب إحدى الشركات التجارية في زاخو وبعد المقابلة الناجحة تم تكليفه ليتولى العمل في الشركة التي كان يمتلكها و مقرها في أربيل ولكن بعد أن يتلقى ويتعلم أمور تخص العمل في هذه الشركة.
فعلا ذهب للتدريب وكان فرحا بهذا العمل وطلب منه صاحب العمل بعد أن يتلقى التدريب أن يقابله بخصوص عمله اللاحق في أربيل , … و في ساعة متأخرة ذهب (خليل) مع أخيه (سمير )لصالة التمارين الرياضية القريبة من البيت وطال بهم الوقت وعادا للدار بعد الساعة الواحدة والنصف ليلا ، ومن بعدها كل واحد قصد غرفته الخاصة بشكل طبيعي مثل كل يوم .
وفي صباح يوم الخميس ذهب والده( وليد )لغرفة ولده (خليل )وأراد ان يفتح باب الغرفة لاحظ باب الغرفة مقفل بمفتاح وبدأ يطرق الباب ومناداته ( خليل .. خليل .. خليل .. ) ولكن من دون استجابة وظن أفراد الأسرة إنه يستحم في حمام غرفته ، ولكن من جراء الصوت العالي تجمع من في البيت قرب باب غرفة( خليل )والجميع مرتبكين وقرر الوالد كسر الباب وبعد جهد جهيد تم كسر باب الغرفة وفتح الباب وتفاجئ الجميع لصدمة مأساوية لم تكن على بال أحد لقد .. أقدم (خليل )على إنهاء حياته بطريقة رهيبة نعم انتحر ليترك وراءه مأساة يعاني منها كل الشباب وتم تنزيله ونقله لمستشفى الطوارئ في زاخو لعل يتم إسعافه وبعد الكشف عليه من قبل الأطباء وإجراء اللازم والرجات الكهربائية ظهر إنه كان قد فارق الحياة قبل نقله للمستشفى …؟
معاناة هذا الشاب وغيره من الذين فقدوا حياتهم وهم في الحياة جراء السياسات الفاشلة والقيادات التي لا تهتم بأجيال متعلمة لا تجد لهم فرص للعمل ثم الزواج وتكوين أسرة تخدم المجتمع والوطن تعتبر وصمة عار على القيادات العراقية ووجودهم الظاهري في المناصب يتفاخرون بها والشعب العراقي يموت جوعا وحرمانا دون إيجاد فرصة عمل ، وصمة عار لكل مسؤول عراقي في الحكومة العراقية من السياسيين الذين لا يستحقون شرف المواطنة فهم السبب في هذه المأساة وغيرها من المآسي التي تكون حملا ثقيلا على عاتق الأسرة العراقية أينما كانت ، لقيام هذه القيادات السياسية بسرقة الثروة الوطنية بطرق مختلفة غير أخلاقية وخلق أزمات مفتعلة ليبقون هم على الكراسي ويبقى الشعب العراقي محروما من أبسط حقوقه .
يا ترى كم (خليل )سوف ينتحر لكرامته وعزة نفسه ونبله ..؟ وإلى متى ستستمر القيادات الفاسدة بالسرقات واستمرار بيع الوطن وموت الإنسان العراقي …؟
Discussion about this post