هشاشة الانسان المعاصر
✍️د.بوخالفةكريم باحث في علم الاجتماع_الجزائر🇩🇿
ان العصر الحديث مثل العبد؛ يجعل من الحرية القيمة الأسمى عنده. لكنه لا يريدها، هي بالنسبة له واجهة منمقة ومضيئة تماما كمدخل ملهىً ليلي. يتحدث عنها كثيرا ولا يكاد يتحدث عن غيرها، لكنه غير مستعد للحظة لأن يدفع ثمنها.
إن إنسان القرن العشرين قد تشيأ وأصبح “شيئاً”. لقد غادر مربع كونه إنساناً ليدخل في مربع كونه شيئاً من الأشياء التي تمتلك وتباع وتشترى، وهذا الإنسان أبرز معاناته تتلخص في القلق، فلا إيمان لديه، ولا قناعة، حيث أدت العوامل الاقتصادية إلى شعور الفرد بالتشيؤ، هذا الشعور الذي يجعل الإنسان يرى نفسه كأنه سلعة قابلة للتبادل التجاري، وهذا الأمر أثر بالفرد، وجعل شخصيته مسلوبة، ومعزولة عن إخوانه من أفراد جنسه، كما يشعر بالعجز والإحباط والانسحاب وعدم الأمن، بذلك لقد ازداد القلق أكثر، ازداد الشعور باللا جدوى، لقد دخل الإنسان عصر الاكتئاب والآلة، ويبدو أن الجيل الذي ينشأ حالياً خلف الشاشات المتنوعة، شاشات التلفاز والحواسيب والموبايلات ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تزداد يومياً بعد يوم قد ينقض تماماً الفكرة الأزلية بأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي؛ لأن العلاقات الاجتماعية أصبحت شبه مفقودة لدى أبناء هذا الجيل في وقتنا المعاصر .
الإنسان المعاصر ممزق فهو يحصر نفسه في الوعي الفردي وفي ذالك الجزء المتكلم الذي يستعمل اللغه في ترجمة أفكاره وأحاسيسه وخياله ” الايڨوا “واللغة هي نتاج الوعي الجماعي وهي مساهمة في صبغ الفرد بما تقتضيه البنية وهو لا يدرك ذالك بل يسعى إلى الاندماج … من ناحية أخرى من الاسفل هو محاصر باللاوعي الجماعي وهي تلك الجذور المشتركة التي تتحدث بالرموز والصور والأحاسيس أي بطاقة طبيعية غير قابلة للاختزال من اجل البقاء تلك الطاقة تعبر عن صفات واضداد وهي ديناميكية وتعديلية لكل ما هو مفرط
تعاسة الإنسان المعاصر هي نتاج وعيه المشوش المرتبك و الجاهل
علينا بفهم ومعالجة العلاقات التي تنتج بين كل تلك المكونات انسان مادي يعاني من عدم معرفة نفسه وهو في صراع حتى مع لاوعيه الفردي
وعيه الفردي مصبوغ و مكبل من قبل كل البنى الفوقية وهو اليوم لم يعد قادرا على الحوار مع اللاوعي فلقد فقد معنى الصور والرموز الداخلية وهو يعوض ذالك عبر هوسه بالشاشة ويعذب ذاته عبر صبغها بالوعي الجماعي في محاولة للاندماج وانهاء الاغتراب الحل هو في الاتجاه المعاكس أي في التفرد والبحث عن القيم الخاصة وإدماج اجزاء لاواعية في الوعي.
ان الإنسان المعاصر، ساكن المدن الكبرى، الذي لسبب ما يظن أنه حر كما لم يكن إنسان من قبل، لا يملك عُشر حرية راعي أبقار في الصومال. هذا الأخير وبخلاف الأول، لا يمكنك قمعه بإشعار تهدده فيه بغلق حساب لا يملكه في مواقع التواصل، تحتاج إلى أكثر من ذلك، كأن تصوب رشاشا أو مدفعا نحو رأسه فقط ليلتفت إليك.
حرية واحدة متاحة للإنسان المعاصر: المتعة. إلى درجة أنه غير قادر أبداً على تمييزها عن الحرية، فهو يراهما شيئا واحداً، أو على الأقل يرى واحدة منهما موجودة فقط من أجل الأخرى.
الأكثر هيدونية في نظره هو الأكثر حرية. المتعة هي المحرر مثل نشوة خيط كوكايين يستنشقه مدمن طال به الانتظار. الحياة بالنسبة له بسيطة لا حاجة إلى تعقيدها. فما نسميه مبادئ ليست سوى أحمال حملها الإنسان نفسه عبثا في حين أن العالم بأسره يكفيه، لكي يسير كما ينبغي له، أن يتبع مبدأ واحدا: “الألم واللذة” (مذهب النفعية). عليه أن يعظم اللذة في هذا الوجود بأي طريقة، ويستأصل كل ألم بأي ثمن. باتّباع مبدأ “الألم/اللذة” تنتفي الحاجة إلى مبادئ أسمى؛ لا إيمان بمتجاوز ولا دين ولا شرف ولا شجاعة ولا إخلاص لانتماء من أي نوع. قيمة الشيء عنده متعلقة فقط بمقدار زيادته للذة وتقليله للألم. ثنائية “الألم/اللذة” حجته الوحيدة التي يمكنه من خلالها تبرير أي شيء: إن كان إجهاضا فالمهم أن الجنين لا يشعر بالألم أثناء تقطيع مقص الطبيب لأطرافه، ودع عنك هنا سؤال “هل هو إنسان؟” فتلك سفسطة في نظره. وإن كان قتلا رحيما فهو يخلص المريض من الألم، ولا تتكبد عناء التفكير في سؤال “من منحك سلطة الحكم بالموت أو الحياة على إنسان بريء؟”. يدافع عن الحيوانات لسبب واحد: إنها تشعر بالألم أيضا، هذا هو الشيء الوحيد الذي يشعره براحة الضمير وهو يتناول خُضاره العضوية. يرى أنه بفضل هذا يقف على قمة الأخلاق الإنسانية، لكن أي إنسانية هذه وهو يشترك مع حيوان البرية في واحدية المبدأ؛ مبدأ الألم واللذة.
هذالنمط من الحياة متعب لانه يعمل على ان يستنزفنا وياخد طاقتنا من دون سعادة حقيقية لأن مصادر اللذة مبنية على معايير مفروضة علينا وغير نابعة من قناعات. بناء شخصية مستقلة قادرة على تبني قناعات إنسانية يحتاج إلى جهد أشبه بالسباحة ضد التيار وهذا الشي يتطلب أرضية ثقافية وشخصية قوية وللاسف يتطلب أيضا نوع من التقشف أو الاستقلالية المالية
برأيي المتواضع البداية ممكن تكون بتبني معايير سعادة ونجاح مستقلة عن قيم السوق أن امكن.
Discussion about this post