بقلم طارق حنفي: مفكر وأديب مصري
طالما شغلني المشروع الصهيوني، ليس نشأته ولا دولته لكن هدفه الأسمى الذي خلق نوعًا من التفكير الجمعي الذي يسعى لاختراق المكان والزمان، والذي يعمل على إنجاحه واستمرار وجوده أناس من كل مكان، وباستمرار، ما الذي يجعل أحدهم يعمل من أجل تحقيق هدف -قد لا يرى بشائره- إلّا الإيمان بالله والطمع في رضاه وجنته؟!
وللإجابة عن هذا السؤال وجب الإجابة عن سؤال لطالما شغلني هو الآخر: لماذا استخدم المولى -عز وجل- كلمة (لِّلَّذِينَ آمَنُوا) في الآية الكريمة: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: ٨٢]، ولم يستخدم كلمة (المسلمين)؟!، على الرغم من وجود تفاسير كثيرة تتحدث أن معناها هو نفسه العداوة للمسلمين أجدني أقول -والله أعلم- قولا آخر: إن العداوة هنا للإيمان الذي يحمله المؤمنون ويتعاملون به والذي يمتد ليشمل عداوتهم للمؤمنين أنفسهم..
ولكي نوضح هذا المعنى نستدل بالآيات حيث يقول تبارك وتعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 123-124]، إذا هي ليست أماني لكن إيمان يصاحبه عمل صالح بمعنى ليس الإيمان بالتمني ولكن بما وقر في القلب وصدقه العمل..
ولهذا نجد أن الله -سبحانه- وصف مودة الذين قالوا إنا نصارى للمؤمنين بأنها الأكثر مودة، وعلل -سبحانه- ذلك بأن منهم قسيسين (يؤمنون عن علم) ورهبانا (يعملون في طاعة الله)..
مع التنبيه بأني لست عالم أو باحث في علم الأديان، لكنني أمهد -فقط- لفكرتي، ثم أطرح سؤالًا: لماذا اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ بشقي الإيمان: أي ما وقر في القلب وصدقه العمل!
لنبدأ ب(ما وقر في القلب):
ما الذي وقر في قلب اليهود عن الله، الأنبياء والرسل، الملائكة، البعث والحساب، القدر؟
- عن الله -سبحانه-: لقد نظروا إلى حكَم الله -سبحانه- في خلقه وقضائه وقدره وشرعه وشخصوها تشخيصًا بشريًّا؛ فكانت النتيجة أن نسبوا إلى الله -سبحانه- صفات بشرية لا تليق بذاته العليا:
– كوصفهم الله -عز وجل- بالتعب.
– ووصفهم له -سبحانه- بنقص العلم والجهل ببعض الأحداث.
– وندمه على ما فعله باليهود شعبه المختار.
– ثم ادعوا أن الله الدموي سخط على كل الشعوب؛ بسبب إساءاتهم لشعبه المختار (اليهود) وأنه سيحرقهم ويذبحهم..
(تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا)
- الأنبياء والرسل: من يقرأ التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن أنبياء الله ورسله لا يتمتعون بصفات الصالحين والأتقياء، بل يجد أن العهد القديم ينسب إليهم كثيراً من المخازي والقبائح التي لا تليق بالناس العاديين فما بالك بالأنبياء والمرسلين.
- الملائكة: اليهودي مكانته عند الله أكرم من الملائكة.
- البعث والحساب: لا يؤمن اليهود الآن -بخلاف منهج سيدنا موسى ومن كان معه- باليوم الآخر كما يؤمن المسلمون والمسيحيون؛ فنص سفر دانيال -على سبيل المثال- لا يشير إلى البعث الأخروي، بدليل أن الذين يستيقظون ليسوا جميع الراقدين، بل كثير منهم، إذا لم تكن عامة وشاملة، فليست بعثاً لليوم الآخر، بل يؤمنون (بالبعث الدنيوي الانتقائي).
- القضاء والقدر: إن الفكر اليهودي وتغيره عبر العصور وصولًا إلى الصهيونية ودولتها لهو محاولة لصنع قضاء وقدر بما تهوى أنفسهم نتيجة أمانيهم كما سنرى (وهو المغزى من المقال).
(وصدَّقه العمل):
إن طريقة تعامل المؤمن مع الآخر تقوم على احترام النفس البشرية التي هي خلقة الله، وأن البشر جميعا يولدون سواسية، كما تقوم على العدل والوفاء بالوعود والذي ينسف ادعاءات اليهود..
لكن اليهود يعتقدون أنهم الأحق بالحياة دون غيرهم، والأحق بأن يرثوا الأرض والسماوات؛ فهناك نصوص في التوراة تفرق بين اليهودي المقدس وبين الجوييم (أممي أو غريب) الذي يجب معاداته وبغضه، ثم جاءت نصوص التلمود لتغذي شعور كراهية الآخر وعدائهم لبقية الأمم بتشريع القتل والإبادة لكل الجوييم.
– يرون أن أرواح اليهود مصدرها روح الله، وأرواح غير اليهود مصدرها الروح النجسة.
– يرون أن الله -سبحانه- خلق الناس باستثناء اليهود من نطفة حصان، لكن حكمة الله اقتضت خلق الآخر على هيئة إنسان؛ ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم.
– يعتقدون بأنه لو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة في الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس.
وبالعودة للسؤال الأول: ما هو الهدف الأسمى للمشروع الصهيوني؟
الصهيونية:
كل ما سبق قوله هو موروث المشروع الصهيوني ودولته الدينية التي تقوم على كراهية الآخر وعدائهم للأمم بتشريع القتل والإبادة لكل من هو غير يهودي (جوييم)، وترى من الله دمويته لا رحمته ولطفه.
إن الصهيونية في حقيقتها ترتكز وتتحرك -بالتوازي- على قدمين:
– القدم الأولى (الماسونية): التي تدعوا في حقيقتها إلى نبذ الأديان، ونبذ الأوامر، والنواهي، وأن الناس يبقون على حالهم الأولى، لا إله، ولا رب، ولا نبي، ولا شريعة، ولا شيء..
ولكي تصل إلى أهدافها نجدها تعمل -بأقصى جهد- على الأرض وتخترق كل شيء؛ لتقبيح الفطرة البشرية وإفسادها، واستحلال الرذائل كالزنا واللواط والربا، كما تسعى لإفساد معتقدات الشعوب الأخرى بالعمل على إفقارهم ودفعهم للاقتتال فيما بينهم؛ لإظهار الإله بمظهر العاجز أو الكاذب الذي لا يفي بوعوده تمهيدًا للقنوت منه والكفر به، مما يترتب عليه الكفر بمعتقداتهم..
《وبهذا فهم يسرعون بمجيء الدجال ليحصد الأمم الأخرى الغارقين في الشهوات والرذائل بعد أن يسجدوا له بعد أن يفتنهم بسهولة ويظنوا فيه الإله الذي لم يعرفونه من قبل》
– القدم الثانية (شهود يهوه): الذين يمثلون المعتقدات والترويج لها عن طريق منظمات الإغاثة الدولية والإنسانية، والتي أحدثت تزاوج بين اليهودية والمسيحية لاستقطاب أموال ونفوذ وشعوب أتباعها.
- لطالما انتصر شهود يهوه للحركة الصهيونية العالمية ودعموها، وكانت مجلتهم الرئيسية التي صدرت عام ١٨٧٩ تحمل عنوان (زيون وتش تاور) ثم -لاحقًا- تم حذف كلمة صهيون (زيون) من العنوان حرصا منهم على إخفاء حقيقة نواياهم.
- تتبنى هذه الجماعة -التي يوجد مقرها الرئيسي في حي بروكلين بنيويورك الأميركية- الشمعدان السباعي رمزا لها، وهو رمز دولة الصهاينة الوطني.
- لا يؤمنون بالحساب يوم القيامة، ويعتقدون أن الأخوّة الإنسانية مقتصرة عليهم، ويعادون الأديان باستثناء اليهودية على عكس ما يقولون في أدبياتهم، ويؤكد باحثون أن جميع رؤسائهم من اليهود.
- ويؤمن شهود يهوه أيضا بأن “مملكة الله” ستسيطر على الأرض وتسقط الحكومات، إذ إن الحكومة الحقيقية في السماء وستحل محل الحكومات البشرية، “وسيحدث هذا قريبا” بحسب نبوءات الكتابالمقدس..
(وبهذه الطريقة يستغلون العقول والقلوب للتمهيد لقبول الدولة اليهودية الكبرى، ويؤكدون أن من سيقيم تلك الدولة هو السيد المسيح الذي سيحرر -بحسب معتقدهم- كل حكومات الأرض؛ ولذلك فهم يرون أن الحكم سيكون بهيكل سليمان الذي يجب بناؤه لكي يحكم اليهود العالم).
《وهم يحاولون بهذا إعادة صياغة القضاء والقدر بما يتماشى مع نظرتهم المتعالية لأنفسهم بوصفهم شعب الله المختار الذين خلقوا من روح الله، الأحق بأن يرثوا الأرض ويكونوا خليفة الله فيها؛ فينتقي الله منهم من سيبعثه على يد المسيح ليقيموا مملكة من النعيم فوق الأرض》
(إن الدولة الصهيونية، كيفية نشأتها ومعتقداتها وسياساتها وأفعالها لهي سُّبَّةُ في الجبين، جبين الأديان السماوية والأعراف والقوانين الدولية، سُّبَّةُ في جبين الإنسانية.. عار على كل من ينتسب إليها، عار على كل من يعينها ويتواطأ معها، عار على كل من يصمت أمام أفعالها)
طارق حنفي
Discussion about this post