الانسان الهامشي نتاج ثقافة الاستبعاد الاجتماعي •
بقلم: بوخالفة كريم — الجزائر
إنّ موضوع الاستبعاد الاجتماعي الذي هو نقيض الاندماج أو الاستيعاب، موضوع حيوي وكاشف لطبيعة البنية الاجتماعية في أي مجتمع.
فالاستبعاد ليس أمراً شخصياً ولا راجعاً إلى تدنّي القدرات الفردية فقط بقدر ما هو حصاد بنية اجتماعية معينة ورؤى محددة ومؤشر على أداء هذه البنية لوظائفها.
عانت المجتمعات العربية ولعقود طويلة من كل إشكال ومظاهر الاستبعاد الاجتماعي، واليوم هناك الكثير من هذه المجتمعات لا زالت تعاني، ولكن شكل هذا الاستبعاد قد يختلف هنا، ويتشابه هناك، فالاستبعاد من المشاركة السياسية، والحرمان من الموارد الاقتصادية، وعدم العدالة واللا مساواة في توزيع فرص العيش على جميع أبناء المجتمع، تعد مؤشرات لوجود الاستبعاد الاجتماعي، هذا علاوة على الفقر والحرمان المادي الذي يعده الكثير احد مظاهر الاستبعاد الاجتماعي، كما في المجتمع البريطاني، وهنا اعتقد إن الفقر يختلف عن الاستبعاد الاجتماعي وأن تشابه معه في بعض الوجوه، فالاستبعاد قد يحصل لفئات كثيرة من المجتمع وهي تعتبر من ذوات الدخول المرتفعة. وارى إن الاستبعاد والحرمان الاقتصادي المتراكم، قد يكون هو أحد أهم أسباب ثورات الربيع العربي. كمواطنين شرق أوسطيين، وأفراد نعيش في مجتمعات عربية، الغالبية منا يعيش في غربه عن مجتمعه، وعزلة شبه تامة، وتأتي إصدارات مختلفة من كتب وبحوث، وحتى مقالات لموضوع الاستبعاد الاجتماعي من دول أوربية مختلفة، كبريطانيا مثلاً، فأنها تجعلنا نعيد الحسابات في بحوثنا وفي كتاباتنا السوسيولوجية، لأن أكثر شعوب الأرض تعاني من الاستبعاد الاجتماعي هي الشعوب العربية، وتختلف هذه المظاهر من دولة لأخرى، وتتشابه في أحيان كثيرة.
ان مصطلح “الإنسان الهامشي” يرجعنا إلى العالم روبار بارك بعد أن فضلت العلوم الاجتماعية طويلاً مفاهيم أخرى من قبل كالفقر، الأقلية، المنحرف والمقصي والمختلف وهي تسميات متعددة تغطي بطريقة مختلطة ظواهر اجتماعية واقتصادية.
فكأن كل مجتمع ينتهي بطبعه إلى إنتاج مهمشيه ومنبوذيه وغربائه، في كل زمان ومكان هناك أفراد يعيشون على هامش المجتمع في مواجهة مع الرأي العام والثقافة الشعبية والتقاليد الاجتماعية، وضعوا بعيًدا وتمت إزاحتهم من الدائرة الاجتماعية ومن الوحدة الوظيفية للكل الاجتماعي، لأن حضورهم ينظر له على كونه تهديًدا للجسم الاجتماعي عندها يمكن أن يتخذ التهميش بعًدا تراجيديًا ويصيرهذا الإنسان المبعد “آخًرا هامشًيا”. ويستبطن المجتمع لا جدواه وحاجته للاحتماء منه باعتباره خطرا.
ولئن كانت الظاهرة موجودة بصفة دائمة، فإن طريقة الاستبعاد أو التهميش لم تكن هي نفسها لأن القيم التي تستند إليها المجتمعات تختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ففي قلب الجسم الاجتماعي توجد مراجعات مستمرة لبديهيات وقيم المجتمع المتغيرة وفقا لسياقات تاريخية محلية وعالمية.
وأبعد من ذلك تزيد الوصمة السلبية ”للأخر الهامشي” من قبل جزء من صناّع الرأي في تعميق الهوة بين فضاء الهامش وباقي الجسم الاجتماعي وتعمق درجة الانكسار الاجتماعي الحاد وتقوي الإحساس بالقهر والغبن.
من جهته يعيش الهامش أو الهوامش في تجلياتها المتعددة الأبعاد المختلفة للاّمساواة الاجتماعية والاقتصادية والرمزية والسياسية وتنتج سرديتاها وتمثّلاتها وعن نفسها وعن المجتمع والّدولة والعالم وتبحث عن حلول للتأقلم، وصارت خاصة بعد 2011 أكثر حماسة وقدرة على فرض نفسها وصوتها بوسائلها الخاصة والغير معتادة داخل الفضاء العام المادي والافتراضي عبرأشكال الاحتجاج الجديدة وتعبيرات الغضب وموسيقي الّراب وفن الشارع ومجموعات الألتراس ووسائل الفعل الاجتماعي الجديدة المتاحة.
Discussion about this post