بقلم: طارق حنفي … كاتب وأديب مصري
خواطر حول الآية الكريمة {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (لقمان: ٢٧)
ظن اليهود أنهم أوتوا التوراة فيها موعظة وعلم كل شيء، ولا حاجة لهم بالقرآن ولا بما يقوله سيدنا محمد -صل الله عليه وسلم- ولا رسالته؛ فنزلت الآية الكريمة تخبرنا أن كلمات الله لا تنفد ولا تنتهي..
ولكن ما المقصود بكلمات الله؟ ولماذا لا تنفد؟!
والله أعلم نقول:
إن الغرض من الكلام -في العموم- هو إفهام السامعين بالمقاصد، ولأن للبشر أحوالًا وقلوبهم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، اقتضى أن تكون كلماته
-سبحانه- مستمرة بدرجات من التفهيم، لتغطي كل الأذواق والأفهام والعقول في كل الأزمنة والأوقات والأحوال..
أعطانا الله -سبحانه- في الآية مثال يقرب إلى العقول
والأفهام عدم نفاد كلماته، فلو صُنِعْت أشجار الأرض جميعًا أقلامًا، واستخدم ماء البحر جميعه حبرًا، ثم أمر الله تلك الأقلام أن تكتب كلماته، لبليت الأقلام وتكسرت ونفد ماء البحر، وما نفدت كلمات الله ولو جاءوا بسبعة أبحر أخرى مددا..
وفي آية أخرى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩].
فما بين بحور مداد كلمات الألوهية: القدرة والمشيئة
والعلم والنور والجود والنعم والحكمة، حتى تمر ببرزخ الرحمات، ثم بحري الربوبية: الأقدار والأسباب، لا تنفد الكلمات!..
ومع تصور إمكانية أن تكتب كل تلك الأقلام كلمات الله في وقت واحد، ومع قدرة الله أن يجعل كل قلم يكتب كلامًا غير القلم الآخر حتى ينكسروا جميعًا، فخلال الوقت الذي تستغرقه الأقلام في الكتابة سوف تنموا أشجار جديدة لتكون أقلامًا جديدة، وهكذا إلى ما لا نهاية لن تنفد كلماته -سبحانه-..
وكما أن القلم مخلوق يكتب ما يأمره الله به، سنجده في درجات أعمق من العلم والفهم لن يحتمل ما يأمر به أن يكتب وسيفنى دون أن يقترب من حدود نهاية كلمات الله، إذ كيف يحتمل ما يفوق إدراكه وفهمه؟!
إذ كيف يسع المخلوق الخالق فهمًا وعلما؟!.
هو -سبحانه- من وسع كل شيء علمًا ورحمة، وكما أن كل شيء معلوم له في الحاضر والماضي وفي قادم الأزمان فإن لرحمته مقتضيات وحكمة يرتبطون بما لا نهاية له من المخلوقات والنفوس، وهم بطبعهم يتغيرون إلى ما لا نهاية من المتغيرات والأحوال، مع الأخذ في الاعتبار استمرار تغير الحال..
فإن كلماته -سبحانه- عطاء وجود لو انتهت لذهب عن الكون الوجود، هي ما تعطى استمرارية للحياة، هي علمه
وهدايته وممكناته، هي الملهمات وهي الأفكار والصور والخيال، هي الأوامر والنواهي، وهي القدرة والمشيئة..
وما دام للإنسان أحوال فلو نفدت كلمات الله لما وجد الإنسان نفسه حين يتبدل حاله!.
وصل اللهم وسلم وبارك على من كان حاله في اليقظة طاعة وشكر وفي النوم معية وذكر، وعلى آله وصحبه أجمعين.
Discussion about this post