“كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه … والمَلَكة غير العادية التي جعلته يُطلِع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن ، وكان ثمرة لثقافته البلاغية التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون . وكان له حضور في أسلوب الدعوة ، يُشرك فيه جمهوره ، ويوقظ فيه ملكات التلقي” … هكذا وصف الكاتب الكبير احمد بهجت إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي ، ويقول عنه الدكتور محمد عمارة : “الشعراوي قدَّم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالاً طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة” .
ولد الشيخ الشعراوي يوم 15 ابريل عام 1911م ، في قرية دقادوس التابعة لمحافظة الدقهلية ، وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره ، وعندما بلغ الخامسة عشرة كان قد أتم تجويده .
تابع الشيخ الشعراوي دراسته الابتدائية والثانوية في المعاهد الأزهرية في محافظة الزقازيق، وتخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1941م، وحصل على شهادة (العالمية) مع إجازة التدريس عام 1943م .
من المواقف المشهودة للشيخ الجليل ، أنه عندما كان طالبًا في معهد الزقازيق رَأَسَ اتحاد الطلاب ، ولما تفجرت ثورة الأزهر عام 1934م ، مطالبة بإعادة الشيخ المراغي بعد عزله من رئاسة الأزهر، خرج الشيخ في مُقدِّمة المطالبين بإعادة الشيخ المراغي إلى منصبه، وألقى أبياتًا من الشعر ، اعتُبرت حينئذ ماسَّة بمنصب (الملكية)، فقُبض عليه وأودع السجن .
عمل مدرسًا في العديد من المعاهد الدينية في مصر، ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية، للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود بمكة المكرمة ، وبعد انتهاء فترة الاعارة ، عاد الشيخ الشعراوي إلى مصر، وعُيّن وكيلاً لمعهد طنطا الديني، ثم مديرًا لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف ، كما عُيّن مفتشًا للعلوم العربية بجامعة الأزهر الشريف، وعُين مديرًا لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون .
عام 1975م تم تعيين الشيخ الشعراوي مديرًا عامًّا لمكتب وزير شئون الأزهر، وعُين بعد ذلك وكيلاً لوزارة شئون الأزهر للشؤون الثقافية، وعُين وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر في وزارة السيد ممدوح سالم ، وخرج من الوزارة عام 1978م . عُين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام 1980م، ثم بعد ذلك تفرغ لشأن الدعوة، ورفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي عُرضت عليه .
انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن، وأوقف حياته على هذه المهمة ، ولأنه ضليع في اللغة العربية كان اقترابه اللغوي من التفسير آية من آيات الله . و يقول الشيخ الشعراوي بهذا الصدد: “فهذا حصاد عمري العلمي، وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله، وتطامنت لاستقبال فيض الله، ولعلِّي أكون قد وفيت حق إيماني، وأديت واجب عرفاني، وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري مفتاح خواطر من يأتي بعدي” . فقد وُفِّق الشيخ الشعراوي في تعامله مع النص القرآني شرحًا وتبيانًا ما لم يوفق الكثير إليه ، ونفع الله به خلقًا كثيرًا .
ترك الشيخ الشعراوي الكثير من المؤلفات القيمة منها : (الإسراء والمعراج)، و(الإسلام والفكر المعاصر)، و(الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج)، و(الشورى والتشريع الإسلامي)، و(الطريق إلى الله)، و(المرأة كما أرادها الله) ، و(من فيض القرآن) وغير ذلك من المؤلفات المكتوبة كثير . ولا يمكن ان ننسى حلقات برنامجه الشهير (خواطر الشعراوي) .
عام 1976م مُنح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، بمناسبة بلوغه سن التقاعد، وتفرغه لشئون الدعوة الإسلامية ، وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1988م ، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في عام 1990 ، وحصل على جائزة إمارة دبي لشخصية عام 1998م .
ويلقى الشيخ الشعراوي ربه في السابع عشر من يونيه عام 1998م ، وقد تركت وفاته اثرا عميقًا في نفوس المسلمين ، وفي أقطار الإسلام عامَّة، وخسرت الأمة بوفاته عَلَمًا من أعلامها، وداعية من دعاتها … رحم الله الشيخ الجليل .
Discussion about this post