{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنذِرِينَ} (الشعراء:١٩٤،١٩٣)
خواطر بقلم: طارق حنفي – مفكر وأديب مصري
———–
كما هو معلوم فإن القرآن الكريم نزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا حيث وضع في بيت العزة هناك..
ولأكثر من عشرين عامًا كان ينزل به سيدنا جبريل -عليه السلام- متفرقا بحسب الظروف والمقتضيات على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
والأسئلة هنا كثيرة، ولعل أبرزها:
هل المقصود بكلمتي (الروح والأمين) إبراز صفات سيدنا جبريل، أم شيء آخر؟ ولماذا ذُكر النزول على قلب الرسول خاصة؟
ثم، كيف يصير الرسول بعدها من المنذرين؟
قالوا في تفسير الآيات:
(نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ): وهو جبريل -عليه السلام-، الذي
هو أفضل الملائكة وأقواهم، (الأمِينُ) الذي قد أمن أن
يزيد فيه أو ينقص..
(عَلَى قَلْبِكَ): يا محمد..
(لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ): تهدي به إلى طريق الرشاد، وتنذر به عن طريق الغي.
والله أعلم نقول:
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ):
إن الله -سبحانه وتعالى- عندما يذكر مخلوقًا ما بصفات
معينة فكأنما -سبحانه- قد خصص لهذا المخلوق تمام تلك الصفات، ووهبه كمالها ليؤدي مهمته..
فتسمية الله -سبحانه- لجبريل -عليه السلام- الروح الأمين هي وهب منه -سبحانه- له -عليه السلام- كمال
الروحانية وتمام تأدية الأمانة، بحيث يستطيع حمل
القرآن والنزول به على قلب الحبيب محمد -عليه الصلاة والسلام- دون أن ينقص منه شيء كأن يلقي منه بعضه وهو في طريقه لثقل الحمل، أو يزيد عليه شيء كأن ينسى بعض مما فقهه وعلمه لعظم وعمق المعاني فيضيف من عنده بدل الذي نسيه..
إذ كيف لمخلوق -مهما كان- أن يحمل كلام الله؟!
ليس فقط المفردات التي ظهرت في القرآن ولكن درجات أعمق من المفهوم والمعنى، بما يحملا من صفات الجمال والجلال، كيف يطيقه مخلوق دون أن يسجد سجدة لا يقوم بعدها أبدا!!!..
فوجب لهذا المخلوق أن يتصف بصفات معينة ليؤدي مهمته؛ فوهبه الله -سبحانه- جبريل كمال صفة الروحانية والأمانة، فكانت صفات سيدنا جبريل -عليه السلام- الموهوبة له هي عين مهمته ووظيفته.
كيف يتأتى للكون كله أن يحيط بكلام الله علما؟!
كيف يعيه ويطيقه إلا بإذن الله وعونه ومدده وأسبابه سبحانه؟!
(عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ):
لقد كان سيدنا جبريل -عليه السلام- (الروح) حامل كلام الله -سبحانه- من عالم الروح والغيب إلى قلب الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-..
وقلب الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- البرزخ الذي نقله من عالم الروح إلى عالم الشهادة..
ثم كان الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- بكلام الله -سبحانه- عالمًا وشارحًا وشارعًا ومنذرًا في عالم الشهادة..
فالرحمن علم فطرة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم القرآن، ثم حين خلقه في صورة الإنسان علمه كيف يتكلم به ويشرحه ويبينه {الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن:١-٤)
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد الداعي إليك بإذنك عن كمال معرفتك وعلم بك.
Discussion about this post