كتب مجيب عبد الرحمن الوصابي … اليمن.
لَاْ أصدِّقُ أنَّ للوزفِ أجنحةٌ ليطير مِن وإلى أقصى الشمالِ العربيّ في أفريقيا وجنوبه في آسيا؛ إنّما هجرَته أقدمُ بمئاتِ السنين من اتفاق تقسيمِ البلادِ العربية والقارات، ومؤامرة خَلقِ الحدودِ الوهميّة بينَ الأمّةِ الواحدةِ مطلعَ القرنِ العشرين…. حدّثوني عن زمنٍ كان الوزفُ يطيرُ فيه واستقر في “نابوليس”.
مواسمُ الهِجرةِ إلى (الشمال) قديمةٌ حِراكٌ كونيّ وأزليّ، ففي كلّ الأرضِ والزمانِ (الجنوبُ) فقيرٌ مظلومٌ ويابسٌ، مضطهدٌ ومُستغَلٌ، متخلّفٌ وحارٌ…. حتى جسدِ الإنسانِ شماله أعزُّ من جنوبِه وأعقلُ… وهلْ يُساوى بالرأسِ أسفلَ البطنِ.
وَلَيسَ بالمستنكرِ أنّهم في تونسَ وهمُ (الشمالُ) لكلّ العربِ والأنقى يرونَ أنفسهم (جنوبيين) ويسعَون نحوَ الشمالِ مِنَ المعمورةِ، ومع هذا يأكلونَ الوزفَ… بلى يأكلونَ الوزفَ!
أوّلُ إشارةٍ قديمةٍ لـلوزفِ جاءتْ في كتاب علي بن موسى بن سعيد الغرناطي المتوفّى بتونسَ سنة (685 هـ) ويتحدثُ فيها عن رمالِ الأحقافِ و قبرِ النبي هود عليه السلام، “وفي شمالي هذهِ الرمال والمُدن جبال الُّلبان ممتدّةٌ من الغربِ إلى الشرقِ، وليس فيها مدينة مشهورة، بل سكانها قوم مهَرة كـ….. في صورهم وكلامهم، وإليهم تُنسب الإبلُ المهريّة وهم يعلفونها سمكًا صغارًا تخرج من بحرهم يُقال لها الوزف ..” كتاب الجغرافيا (ص65)
إِلى يومِنا هذا في حضرموتَ والمهرة يُستخدم (الوزيف) طعامًا للمواشي وسمادًا للزرعِ ويؤكلُ في بعضِ المناطق، وطريقة تعبئة في أكياس واحدة بين اليمن وتونس…. لحمُ الفقراءِ عندَ الأشقاء
حوالي أربعةِ آلاف و394) ) كيلو مترٍ المسافة الافتراضية بين اليمنِ وتونس وبناتي، وهي أضعافٌ مضاعفة لطرق التواصل القديمة بين قُطرين عربيين متباعدين …ربّما متباينين، ومئة عامٍ من ….؟!
يَمْضي الشيخُ (عبد العزيز الثعالبي) أشهرًا كي يصلَ إلى عدنَ قبل مئة عام (1924) و مشروعه التنويري القومي النهضوي … كان “التونسي” يقولُ:” إنّ البداياتِ لابدّ أن تكونَ مِن اليمن” … مئة عامٍ؛ هي مسافةُ الوعي والتحضُّر بين القُطرين؛ إنّما بلادي تزدّان بستين مليون قطعة سلاح، وليس فيها شجرةُ زيتون واحدة من السبعين المليون التي لبلدِ (ابن خلدون .. )
عندما فكّرنا أن نتأثرَ بالتوانسة تابعناهم وهتفنا بحماس (ارحل) و (الشعب يريدُ إسقاط النظام)… لا سبيلَ للمقارنةِ بما حصل بعدها، لكني تأكدت أن الزلازلَ مهما عربدت لن تنال من البناء ذي الأساساتِ المتينة، مَن بَنى تونسَ الحديثة وأسّس كان عالمًا ووطنيًا ولا زال، أمّا بلادي فقد كانوا سفّاحين جهَلة رَغم وطنيتهم؟
منذُ متى منابر صنعاء مبتهجة تُزغرد … ” حيّا على خير العمل”؟
في صنعاء وما حولها شمالًا لا يحبّون (الوزف) رغم أنهم بعيدون عن البحر، لكن ليس في ثقافتهم أكلُ الوزفِ بل يستقذرون أكلهُ… مع أكلهم الجراد .. وأستاذنا الساخر ” عبدالوهاب عبدالباري” في عدن كان يُعلّق بسخريته المعهودة رحمه الله بالقول معللا:” ذلك لأن الوزف أكل من جسد جدّهم عندما غرق في البحر” لن نأخذ تفسير (الذبحاني ) على محملِ الجد، فهذا بحث أنثروبولوجي مقارن نعدّه عن الأطعمة والأشربة في اليمن…
وفي تونسَ أيضًا أكل الوزف على تفننهم في طباخته ليس في ثقافة بعض المناطق خصوصًا الساحلية، والوزف عندهم لحم الفقراء أيضًا…
أمثال شعبية يمنية عن الوزف:
لا تالف البس الوزف يخري بين الدقيق.
حتى الوزف نزل يحف.
بعد الحلاوة وزف وبعد المشدة وظف.
قهي تقلي الوزف والدِّم ينتسف.
لَكِن ما أخبارُ (حِزب الوزف) لوطنٍ بلا حيتان؟
يتبع بإذن الله
أكاديمي يمني مقيم في تونس
Discussion about this post