بقلم: كريم بوخالفة باحث علم الإجتماع … الجزائر
-الشخص الحذر الاقتنائي يشعر بالأمان, غير انه بالضرورة يعيش في خطر كبير, فهو يعتمد في وجوده على ما يملك من مال ومكانة وحيثية, اي على شيء خارجه, فما الذي يبقى منه إن هو فقد ما يملك ؟ ذلك أن كل ما يملكه الإنسان أو يقتنيه يمكن أن يفقده. وغني عن الذكر أن الشخص إذا فقد ممتلكاته فإنه يفقد ايضا مكانته واصدقائه, كذلك يمكن في اي لحظة, طال الزمن ام قصر, ان يفقد حياته ذاتها.
إذا كنت انا هو ما املك, ثم فقدت ما املك, فمن اكون ؟ لن يبقى سوى شاهد مهزوم متضائل مثير للشفقة .. شاهد على اسلوب حياة خاطئ. فحيث إني يمكن أن افقد ما املك فأنا بالضرورة في قلق وخوف دائمين من امكان حدوث هذا, انا في خوف من اللصوص والتقلبات الاقتصادية والثورات والامراض والموت, كذلك انا في خوف من الحب والحرية والتطور والتغير. وفي خوف من المجهول, هكذا دائما في خوف وقلق, اعاني من امراض الذعر والوسوسة المزمنة, ليس فقط من فقدان الصحة, وانما من فقدان اي شيء آخر املكه, هكذا اتحول الى كائن مشغول بالدفاع عن نفسه, موسوس وحيد تتملكني الحاجة لامتلاك مزيد من الاشياء التي انشد فيها مزيدا من الحماية.
-إن اسلوب العيش التملكي اي السلوك الذي يتركز حول الملكية والربح, لا بد من أن يخلق الرغبة, بل الحاجة الى القوة, فمن اجل السيطرة على كائنات بشرية اخرى نحن بحاجة الى استخدام القوة لتحطيم مقاومتهم, ولاحكام قبضتنا على ما نملك من ممتلكات خاصة, نحن بحاجة لاستخادم القوة لحمايتها من اولئك الذين يمكن أن يأخذوها منا, لانهم مثلنا لا يمكن ان يقتنعوا بما عندهم, الرغبة في الحصول على الملكية الخاصة تولد الرغبة في استخدام العنف من اجل سرقة الآخرين بوسائل سافرة او خفية.
وتكمن سعادة الشخص في اسلوب التملك في تفوقه على الآخرين, وفي قوته, وهي -في التحليل الآخير- تكمن في قدرته على أن يغزو ويسرق ويقتل. أما في اسلوب الكينونة فإن السعادة هي المحبة والمشاركة والعطاء.
-الاستهلاك هو أحد أشكال التملك, وربما هو أكثرها أهمية في مجتمعات الوفرة الصناعية المعاصرة, والاستهلاك عملية لها سمات متناقضة: فالاستهلاك عملية تخفف القلق لأن ما يمتلكه الإنسان خلالها لا يمكن انتزاعه, ولكن العملية تدفع الإنسان إلى مزيد من الاستهلاك, لأن كل استهلاك سابق سرعان ما يفقد تأثيره الاشباعي, وهكذا فإن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية:
انا موجود بقدر ما أملك وما استهلك.
-في نمط الكينونة لا يكون التملك الخاص او الملكية الخاصة إلا أهمية وجدانية ضئيلة, حيث لا تنشأ الحاجة لامتلاك شيء لكي أستمتع به, او حتى لكي استعمله واستفيد منه, ففي نمط الكينونة يمكن لأكثر من شخص وفي الحقيقة يمكن لملايين الناس ان يشتركوا في الاستمتاع بالشيء نفسه, حيث لا توجد حاجة, كما لا يرغب أحد في امتلاكه كشرط للاستمتاع به, ولا يعني هذا منع وقوع صراغ فحسب, وانما يعني ايضا خلق اسمى شكل من اشكال السعادة الانسانية الا وهو المتعة المشتركة فليس أقدر على توجيد البشر دون النيل من ذاتيتهم من المشاركة في الاعجاب بشخص او محبته,او المشاركة في الاقتناع بفكرة, او في الطرب لاغنية او لقطعة موسيقية, او الاعجاب بصورة او رمز, او المشاركة في أداء الشعائر, او الاحساس المشترك بالأسى والحزن. إن متعة المشاركة هي التي تحتفظ بالحيوية في العلاقات بين اثنين وهي الأساس الذي قامت عليه كل الديانات وجميع الحركات السياسية والفلسفية الكبرى.
إن عدم القيام بأي خطوة للأمام، والبقاء حيث يوجد المرء، باختصار الاعتماد على ما يمتلكه المرء هو غرور؛ ذلك أن المرء يعرف ما يملكه ويشعر بالأمان في الشعور بهذه المعرفة ويمكنه التشبث بها. نخاف القيام بخطوة في المجهول، في غير الآمن، ولهذا السبب فإننا نتجنبه، وحتى وإن كانت الخطوة التي علينا القيام بها غير خطيرة، بعد القيام بها، فإنها تظهر لنا كما تظهر لنا عواقبها قبل القيام بها خطيرة وتعبة. فالقديم هو وحده الذي يكون آمنًا أو على الأقل يظهر هكذا. فكل خطوة جديدة تخبئ خطر الإخفاق، ويُعدّ هذا من أسباب خوف الإنسان من الحرية.
على الرغم من الأمن المضمون عن طريق الامتلاك فإننا نعجب بالناس الذين لهم رؤية لما هو جديد ويُعبِّدون طرقًا جديدة ولهم الشجاعة للسير قُدمًا. ويجسد البطل في الميثولوجيا نمط الحياة هذا. فالبطل هو الإنسان الذي تكون له الشجاعة على مغادرة ما عنده – وطنه، عائلته، ممتلكاته – والهجرة إلى الخارج، ليس من دون خوف، بل من دون الخضوع إلى هذا الخارج.
نحن نُعجب بهؤلاء الأبطال، لأننا نشعر في قرارة أنفسنا بأنه يجب أن يكون طريقهم طريقنا – لو كان بإمكاننا المشي عليه. ولكن بما أننا نخاف فإننا نعتقد بأننا لا نستطيع القيام بهذا وبأن الوحيد الذي يمكنه الإقدام عليه هو البطل. وهكذا يصبح البطل مثالًا نقتديه، نُصعد عليه كفاءاتنا للتقدم إلى الأمام، لكننا نبقى نحن في الواقع لأننا لسنا أبطالًا.
يمكن للمرء أن يقرأ رد الفعل في وجوه الناس في بعض الأحيان. […]غالبًا ما يمكن ملاحظة البهجة من دون الرغبة في الامتلاك في السلوك تجاه الأطفال الصغار. أعتقد أن الأمر يتعلق هنا كذلك بجزء وافر من خداع الذات، بحيث إننا نرى أنفسنا في دور صديق للطفل. وعلى الرغم من هذا الشك، فإنني أعتقد أن رد الفعل العفوي والحقيقي تجاه الأطفال يوجد بما فيه الكفاية. قد يكون سبب هذا هو أن غالبية الناس لا تخاف من الأطفال، بالمقارنة بالشباب والراشدين. وغياب هذا الخوف هو الذي يسمح لنا بأن نحب ما لا يمكننا أن نحبه إذا كان الخوف أمامنا.
يمكن القول بصفة عامة بأن العلاقة بين البشر، عندما تكون محكومة بتوجه امتلاكي، تكون مطبوعة بالمنافسة والتضاد والخوف. ويكمن عنصر التضاد في مثل هذه العلاقة في خاصية الامتلاك نفسه؛ عندما يكون الامتلاك أساسًا شعوريًا بهويتي، “لأنني أمتلك”، فإن الرغبة في المزيد من الامتلاك هي التي تقود المرء.
لا نجد هذه الأهمية الكبيرة للامتلاك، الملكية الخاصة، في نمط الحياة الوجودية، فلا أحتاج امتلاك شيء ما لكي أتمتع به أو أستعمله. يمكن لأكثر من شخص، بل لملايين الناس، في الواقع، الفرحة باستعمال شيء، ولا يكون من الضروري امتلاك هذا الشيء من طرف شخص واحد، للتمتع به. ولا يُجنب هذا الأمر الفعلي الخصام، لكنه يُمكن من تقاسم أعمق مُعاش إنساني للسعادة، يعني تقاسم فرحة ما.
يتميز النشاط الوجودي بشروط أساسية وهي الاستقلال والحرية وحضور العقل النقدي. أما سمته الأساسية فتتمثل في النشاط / الحيوية، والإيجابية والفعل، لا بمعنى النشاط الظاهري / الخارجي، أي الانشغال بشخص أو شيء ما، بل المقصود هو النشاط الداخلي، يعني الاستعمال المثمر للطاقة الإنسانية. أن يكون الإنسان نشيطًا يعني التعبير عن الملكات والقدرات والمواهب الذاتية، يتمتع كل كائن بشري بقدر منها، حتى وإن اختفت مقاديره. ويعني نشاط الإنسان العثور على ذاته والنمو والتطور والتدفق والحب وتجاوز حدود سجن الذات المعزولة لذاتها وبذاتها والشغف بما يشتغل عليه ومن أجله ويحسن الإصغاء للذات وللآخرين ويكون معطاء مع نفسه ومع الآخرين.
Discussion about this post