كتبت …. دكتورة آمال بوحرب …. تونس
يرى المفكر الإسباني خوسيه أورتيجا أن الفيلسوف يحدد الأمور ببراعة من دون تردد ويطارد بملقطه العقلي عصب الحب المرتعش كما يطوف بنا المؤلف في عوالم أفلاطون وتجربته في موضوع الحب فكتابه «المأدبة» ومن خلال قراءة “جاك لاكان “المحلل النفسي رسم معالم الرؤية الغريبة للحب والادراك حيث يحشد تجارب مجتمع المفكرين والمثقفين آنذاك وتجمعاتهم وعلاقاتهم العاطفية ولكن أرسطو يطرح مشكلة علاقة النفس والجسد في إطار فهمه لعلاقة الصورة بالمادة أو إن شئنا الدقة علاقة الصورة بالهيولى (الهيولى هي المادة اللامتشكلة). و من هذا المنطلق فإن الإنسان سيكون إنسانا بصورته أي بنفسه فالنفس أو الروح هي ما يمثل حقيقة الإنسان فتماما كما تشكل الصورة المادة تشكل النفس الجسد وبالتالي فإن أرسطو يختزل الإنسان في بعده الواعي و هذا ما يظهر بجلاء في إقراره بأن الإنسان حيوان عاقل و هذا المنظور الأرسطي الذي يفهم الإنسان على شاكلة فهمه لعلاقة الصورة بالمادة جعله ينتهي إلى تحديد النفس والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وهو موضوع المقال :ما جدوى الأشياء ما دامت تحدث ضمن حتمية الزوال؟ ولماذا نكلف أنفسنا أصلا عناء إحداثها؟
هذا السؤال المقلق واحد من الأسئلة الوجودية الكلاسيكية التي لا يخلو منها عقل متأمل، إنه سؤال عن المعنى وراء الأشياء، والقلق من الفناء وغني عن القول إن منطق الفلسفة درج على اعتبار الزوال معضلة وصفة سلبية في طبيعة الأشياء.
يمثل موقف سبينوزا أول موقف فلسفي يرد الاعتبار للجسد في تحديد الإنية ولكن أيضا موقف يسعى إلى إقحام الإنسان في الطبيعة و في العالم عبر سلب الامتيازات الميتافيزيقية التي أضفاها التصور الثنائي على الإنسان ذلك أن سبينوزا على خلاف أرسطو و ديكارت يحدد الجوهر لا باعتباره المتصل بذاته ولكن باعتباره المسبب لذاته وهو ما يعني أنه لا يوجد إلا جوهر واحد هو الله أو الطبيعة و أنّ هذا الجوهر يتكون من عدد لا متناهي من الصفات وأن كلّ صفة من هذه الصفات تتكوّن من عدد لا متناهي من الضروب أو الأحوال وهذا يعني أن كلّ ما يوجد هو إما ضرب من ضروب صفة الامتداد و إما ضرب من ضروب صفة الفكر و إما ضرب من ضروب أحد الصفات الأخرى التي لا يعرفها الإنسان و إما علاقة ضريبة بين ضربين و هو حال الإنسان و هذا ما عبر عنه بقوله “إن القوانين التي تلجم الأفواه و تحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها”يعني أن الوحدة بالنسبة لسبينوزا تتمثل في الجوهر الواحد في حين تمثل الصفات اللامتناهية وضروبها الكثرة و الصراع الذي كان يتحدث عنه ديكارت داخل الإنسان بين العقل والانفعالات أصبح مع سبينوزا صراعا خارج الإنسان فهو صراع كلّ الضروب من أجل المحافظة على البقاء الا أن الانسان كما يراه “جاستون برجيه ” لا يوجد لوحده وبقدر ماهو كائن عاقل هو أيضا كائن اجتماعي وهو ما يعني أن الآخر ضروري لوجود الفرد الإنساني ولكن أمام الآخر نجد أنفسنا إزاء مفارقة : فالذات تلاقي الآخر باعتباره شبيها وفي ذات الوقت باعتباره ما لا تستطيع أن تتوحّد معه. إذ يبدو أن الآخر ورغم قربه مني يبقى غريبا عني حسب برجيه”. ذلك أن إدراكي لذاتي موجودة أي الوعي بالذات الذي يمكنّني من تحقيق إنيّتي، يمثل في ذات الوقت عائقا أمام التواصل الحقيقي بما هو توحد مع الآخر. وهكذا يكشف “برجيه” عن مفارقة الوجود الانساني فأنا أوجد مع الآخر ولكن عالمي الخاص، عالمي الحميم هو ما لايستطيع الآخر أن يشاركني فيه وبالمثل عالم الآخر بما يتضمنه من حميميّة هو ما لا أستطيع اقتحامه.
لعل مفهوم علاقة الصورة بالمادة في المفهوم الفلسفي
تتأرجح بين جدليات معرفية مختلفة تحيط بالمفكر من كل جانب وعليه فإن التواصل يقتضي الذاتية رغم كونها معقدة ذلك أن الوجود الانساني مثلما بين برجيه “، هو وجود الذاتية وجودا وحيدا ولكن غير معزول عن الآخر والانسان في وجوده مع الآخر لا يمكنه أن يتنازل عن التواصل رغم كونه لا يستطيع أن يشبع رغبة التواصل” ولعل هذا ما دفع كانط بالقول “شخصيا بطبيعة ميلي باحث أشعر بتعطش شامل للمعرفة وبقلق متلهف للتقدم فيها أو بالرضا عن كل تقدم أقوم به كنت أعتقد أن هذا يمكن أن يكفي وحده ليصنع شرف الانسانية و كنت احتقر الرعاع الذين يجهلون كل شيء…. ولكن غيرت رأيي و أخذت أتعلّم احترام الناس و سأعمل جاهدا على إقامة حقوق الإنسانية “فهل يجوز القول من هذا المنطلق أن تحديد معرفة الإنسان بنفسه يفترض إنتاج تعريف كوني يشارك فيه كل الأفراد؟
Discussion about this post