بقعــــــة ضــــوء ..
سيكولوجية الادب العربي وعبقرية الاديب
في المنظور العلمي والفلسفي
بقلـــــم
لميـــاء بودوخــــة
قد يرى الكثير ان لفظة ” الادب ” لا تعدو بعيدا خارج اطار مفهومها العام وفي الحقيقة ان هذه اللفظة كغيرها من الالفاظ والمصطلحات لها العديد من الدلالات والمفاهيم المجردة ، ويكاد يتضح ذلك جليا اذا ما خضنا في فحوى ومضمون وشكل الجنس الادبي ، ومن مفاهيم ودلالات لفظة الادب ما تم استخلاصه من المعجم الوسيط له من ثلاثة اوجه من المعاني والدلالات فهو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب ، كما انه كل جميل من الشعر والنثر ، وثالثا هو كل ما انتجه العقل الانساني من ضروب المعرفة .
كما ان الادب وكما هو معروف بأنه مأثور الكلام وما يتصل به لتفسيره وتذوّقه فالأدب كسائر العلوم لابد له من علوم تكسبه المهارة وامتلاك صاحبه على ثقافة عامة ولغوية خصبة .. اضافة لهذا اكتسابه معنىً اخلاقيا ونفسيا فطريا او مكتسبا عن طريق المران الطويل والتقيد بمنظومة اجتماعية متكاملة من العادات منها العادات الحركية والعقلية والوجدانية الانفعالية والعادات الكتابية والكلامية والتي تشكل بمجموعها الاطار الثقافي العام لشخصية الشاعر او الاديب وهي المرتكزات الاساسية التي تقّوم قوام شخصية الاديب نظرا لما اكتسبه من ارقى ما في هذه العادات في هذا الصدد يقول الدكتور طه حسين في كتابه ” الوان ” : ( ما زال الاصل في الكتابة كالأصل في الشعر: تخيّر اللفظ الفصيح الرصين الجزل للمعنى الصحيح المصيب والملاءمة بين اللفظ واللفظ والمعنى والمعنى في كل ما يكوّن هذا الانسجام الخاص الذي يستقيم له الشعر والنثر )
بمعنى ان الاديب لابد له من التزام قوة اللفظة وعمق المعنى وجزالة الكلمة ومغزاها ليكون النص غاية في الجمال ، بينما يرى الاستاذ عباس محمود العقاد ان العبقرية شرطا اخرا يسهم في قوام الشخصية الادبية اذ يقول في كتابه ( مراجعات في الادب والفنون ) : شرطا ذاتيا يجب توافره للأدب حتى يمكن وصفه بالجمال والروعة وذلك الشرط هو ” العبقرية ” في نقل القارئ او المستمع الى العالم الحيّ الفائض بالمعاني التي فكر فيها افلاطون وعبّدها الغزالي وشعر بها شكسبير وغناها فاغنر وتطلع اليها نيتشه وصوّرها دافنشي واستنشق هواها الوف الملايين من هم اقل حظّا من هؤلاء في العبقرية والابتكار ولكنهم اخوانهم في وطن المعرفة والادراك )
من هنا ندرك ما للأدب الرصين من اثر فاعل وبليغ في نفوس وارواح متلقيه ومتابعيه عكس ما يفتقر اليه الادب المعاصر الذي تأثر بالادب الغربي فكرا واسلوبا مبتعدا عن الاصالة والفصاحة والبلاغة التي يتمتع بها الادب العربي القديم او بالاصح الادب الكلاسيكي
وقد يرى البعض ان التجديد من قوانين الطبيعة الانسانية دون التقيد بالقيود التي لم يحد عنها ادباء العصر الحديث الذين التزموا الادب الكلاسيكي ولم ينسلخوا عن اسلوب ومفاهيم ودلالات القديم والمأثور اذ تقاس قدرة الاديب بمدى دقته في استخدام الكلمات ومجموع خزينه من القاموس اللغوي وخصوبته اللغوية ودقته في استخدام المحسنات البديعية والتعبيرات الفنية والتي هي من المعايير الرئيسة في تكوين شخصية الاديب وعبقريته كما لا ننسى قدرته الموسيقية في استخدام محتواه وخزينه اللغوي فالاديب العبقري لا يستذوق موسيقية الكلام بل هو يصنع ويبدع في خلق كلامه الموسيقي .
في هذا الصدد يقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه ( الفن ومذاهبه في الشعر العربي ) : ” ونحن لا ننسى ما حاوله بعض الشعراء من التجديد غير ان جمهورهم لم يستطيعوا ان ينهضوا بكل ما كنا نصبو اليه ، فقد اهملوا في كثير من جوانب شعرهم الصياغة الفنية للشعر العربي وراحوا يستعيرون معارض تفكيرهم وشعورهم من الشعراء الغربيين وخاصة شعراء النزعة الرومانسية وبالغوا في ذلك حتى اصبحت نماذج كثيرة من اشعارهم وكأنها ضروب من الترجمة للأساليب الغربية ، ولعلّ من الغريب ان نقرأ منهم من ذهبوا ينادون بهجر الاساليب العربية القديمة ويقولون انها اصبحت لا تلائمنا في العصر الحديث ونسوا ان صياغة التفكير الفني لأمة من الامم لا يمكن ان تُهجر مرة واحدة الى صياغة امم اخرى ” .
Discussion about this post