بعد احتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة، تم طرح “مبدأ الفيدرالية” كحل للوضع العراقي، وفق تصور الادارة الاميركية، وان تتجاوز دستوريا الاكراد الى عموم العراق، إلا ان ملف النزاع حول كركوك بقي جرحاً مفتوحاً، حيث هددت تركيا بالتدخل العسكري، مع العرب من السنة والشيعة معاً، وانهم لا يقبلون بالحاق كركوك بإقليم كردستان، لان ذلك يعني بداية تقسيم العراق، ودخوله متاهات التدخل الدولي والاقليمي الذي سيزيد الوضع الحالي تردياً، بل سيدخل العراق حرباً أهلية يصعب على الدولة السيطرة عليها، فضلاً عن ان هؤلاء العرب، يرون في اخراجهم من مدينة عراقية اصلاً، يخالف أبسط حقوق الانسان وحقه في العيش بأي مدينة في بلده، لا سيما انهم جاءوا للعمل والاستقرار منذ ما يزيد عن نصف قرن.
وكما يرى معظم العراقيين الحل لمسألة كركوك، هو جعلها أقيما خاصاً، تابعاً للحكومة المركزية بما يضمن لجميع القوميات المتآخية فيه حقوقها السياسية والثقافية والقومية، ولعل هذا ما بدأ يتبلور، بعد ما أدرك الجميع استحالة تحقيق ما كتب على الورق وفرضه على واقع لا يحتمله.. وأخيراً، نقول، هل سياتي حل قضية كركوك من خلال توافق الاطراف العراقية الداخلية، أم ان هذا التوافق تبقى لا قيمة له، من دون حصول توافق دولي وإقليمي، لا نستبعد فيه لي الاذرع وفرض ما يريده الاقوى على الواقع، سواء وافق اهل هذا الواقع أم لا يوافقون.. ؟”
انتهى الاقتباس …
بعد 12 عاما من العنف، ابتعد الاهتمام العالمي إلى حد كبير عن سوريا. لكن الدمار الناجم عن الزلزال أعاد البلاد إلى دائرة الضوء، مذكراً المجتمع الدولي بأنه لم تكن هناك نهاية للطرق التي عانى بها الشعب السوري، ولا حدود لخسائره.
التعنت كسر سورية، فالصراع في البلاد ثبت أنه مستعصي، حيث جذبت القوى العالمية والاقليمية ادواتها على الارض السورية، ولعل التوافق الوحيد بينها هو القرار 2254 في الصراع الدبلوماسي والإقليمي، وتبدو حياة السوريين منخفضة في قائمة أولويات الدول المتدخلة في الملف السوري لأنها حققت مصالحها على حساب مصالح السوريين.
من احتجاجات السويداء إلى دير الزور… وبين من يسميها ثورة ومن يسميها فوضى وفتنة ، تختلف التسميات وتظهر الخلفيات والنتائج ، فالمقاربة مع الوضع في العراق واضح المعالم ( بين كركوك ودير الزور ، بين الشمال العراقي والبصرة والسويداء ، في وجود تفاعلات اقلبمية ودولية منها متواجد على الارض ومنها عابر للحدود …) وغموض الموقف الأميركي ، كلها عوامل قد تشجع وتكون بداية لتشكيل “نواة لسورية فيدرالية “بقبول شعبي داخلي في كل من تلك المناطق ودعم اقليمي ودولي قديم وحديث ، حيث تراجع مشروع انشاء الدولة والانتماء اليها كدولة مواطنة ومساواة وعدالة وحرية والديموقراطية واللامركزية الادارية ، الى مفهوم الوعي الجمعي المحكوم ( البيئة الحاضنة في العديد منها )بفكر المناطقية والطائفية والمذهبية والقومية والقبلية والعشائرية وجميعها للأسف مفاهيم جذورها تمتد الى ما قبل الدولة .
بالمختصر المفيد، يبدو أن التداخلات الاقليمية والدولية التي تتقاسم فيه مناطق نفوذ محلية سورية، وتحكمها سلطات الأمر الواقع (تعقد المؤتمرات وتخوض الصراعات..)
وعطفاً على تراجع كبير في الخدمات الحكومية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية ذات الاهداف المبتورة ، وعدم وجود رؤية حكومية جادة لمعالجة الاوضاع المعقدة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتقاطع مع رؤى وطنية معارضة قاصرة في البحث عن مساحات مشتركة لإنقاذ البلاد ، مما يؤكد ويجدد مطالبنا بتنفيذ القرار الاممي 2254 والذي يشكل التوافق الوحيد بين القوى الاقليمية والدولية والمحلية وباعتقادي ان الفرصة متاحة الان لوضعه في الاطار السوري – السوري مما يساهم في وقف التداعيات والاحداث المتسارعة في الجغرافيا السورية . وغير ذلك فإن الاحداث والتفاعلات الجارية محلياً واقليمياً ودولياً تُنذر بالأسوأ بعيداً عن الاحلام الوهمية ومجاراة للواقع.
لعل تعزيز الأواصر الاجتماعية والإسهام في تأسيس مجتمعات أكثر شمولا ومرونة، ودعم الخدمات العامة، في هذا الوقت من شأنه تحسين الثقافة والعلوم وحماية الموروثات الثقافية. وتمكينها من أداء دورها الذي هو ضرورة للوصول إلى التنمية المستدامة في دولنا، باعتبارها شريكاً أساسياً في تحقيق تنمية المجتمعات، وتطوير قدراتها والانتقال إلى حياة أفضل.
إذا كانَ الفردُ لا يَستطيع العَيْشَ خارجَ المُجتمع، فَإنَّ التاريخ لا يَقْدِر على التَّشَكُّل خارجَ الحضارة.
وختاماً نستذكر سؤال الشاعر أبو اسحاق الغزي
مالي أرى الشمع يبكي في مواقده
من حرقـة النار أم من فرقة العسلِ؟
فأحابه أحدهم بقوله:
من لم تجانسْه فاحذر أنْ تجالسَه
ماضرّ بالشـمع إلا صحبة الفتـلِ
والى لقاء آخر …
Discussion about this post