كتب/خطاب معوض خطاب
تجمع بين عبق التاريخ وإبداع الحاضر
حارة السنانين المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي
حارة السنانين تعد واحدة من أشهر الحارات المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي، وقد سميت بهذا الاسم نظرا لوجود العديد من ورش سن السكاكين ومختلف الأسلحة البيضاء والمقصات بها، وذلك قبل أن يدور الزمن دورته وتنقرض هذه المهنة أو تكاد، ومع الوقت تحول معظم قاطني الحارة إلى صناعة وبيع السبح بمختلف أشكالها وألوانها، والجميل في هذه الحارة أنها تجمع بين عبق وأصالة التاريخ وإبداع وجمال الحاضر، وعبق التاريخ تراه وتشعر به متجسدا بالفعل وأنت تسير في جميع طرقات شارع المعز والحارات المتفرعة منه، وعلى ناصية حارة السنانين نرى عبق التاريخ متجسدا في جامع الأقمر، والذي يعد واحدا من أجمل المساجد الفاطمية رغم صغره، فهو يمتاز بجمال زخرفة واجهته الحجرية المتفردة، وقد بناه الوزير مأمون البطائحي بأمر من الخليفة الآمر بأحكام الله في سنة 1125 ميلادية، وقد سمي بالجامع الأقمر نظرا للون حجارته البيضاء والتي تشبه لون القمر.
بينما نجد جمال وإبداع الحاضر متمثلا في مركز الربع الثقافي الموجود على يسار الداخل إلى حارة السنانين، وهذا المركز له واجهتان، الصغرى تطل على شارع المعز لدين الله الفاطمي، والكبرى تطل على حارة السنانين، وتم إنشاء المركز في سنة 2005 مكان إحدى الوكالات القديمة المتهدمة، وبواسطة جهود مجموعة من الشباب تم تحويل مركز الربع إلى مركز إشعاع ثقافي، حيث تقام به العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، وذلك بالإضافة إلى وجود معرض للكتب الجديدة والقديمة بأسعار في متناول الجميع.
ومعظم الحارات القديمة أطلق عليها اسم سكانها، حيث كان يسكنها أصحاب الحرفة والمهنة الواحدة التي كانت سائدة في ذلك الوقت البعيد يتجمعون معا ويسكنون بجوار بعضهم البعض في تلاحم عجيب، مثل القربية والفحامين والعقادين والقصاصين والنحاسين والسنانين والصرماتية والصناديقية والمغربلين والسروجية والخيامية والسقايين وغيرها من شوارع وحارات وأحياء مصر القديمة، ووراء كل اسم منها حكاية وأصل وسبب لتسميتها بهذا الاسم الذي اشتهرت وعرفت به.
فمنطقة المغربلين مثلا كان معظم سكانها من العطارين اللذين اعتادوا القيام بغربلة عطارتهم بالغرابيل وذلك حتى تخلو هذه العطارة من الشوائب، أما السروجية فقد كانت معروفة بأنها منطقة مخصصة لصناعة جميع لوازم الجياد وخيول من السروج والحدوات، وبالنسبة لشارع القربية فقد أطلق عليه الاسم لأن معظم سكان هذا الشارع اشتهروا بصناعة وبيع القرب التي كانت تستخدم في السقاية والري وما يسمى بخض اللبن، أما منطقة الخيامية فقد كان يسكنها صناع الخيام الذين كانوا يتفننون في صناعتها كأجمل ما يكون، وبالنسبة إلى درب المهابيل أطلق عليه هذا الاسم بسبب وجود بعض محال البوظة داخله، وكان أهالي الشارع والمنطقة من رواد هذا المحال التي كانت تقدم لهم شراب البوظة المسكر، مما كان يجعلهم سكارى وأشبه بالمهابيل في أغلب الأوقات.
*من كتاب “أصل الحكاية” الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع
Discussion about this post