• حروفي إن نطقت
بقلم: أ.د. حسين علي الحاج حسن
… لو لم تكتم حروفها في صدرها، لشكت أمرها عما حلّ بها في ترحالها، وقالت: أبتاه.. أنا كنت نائمة في إحدى زوايا خيمتي بكل هدوء،.. إلا أني سمعت أصواتهم وصراخهم، وشاهدت قسوتهم وجبروتهم، وهم يحرقون الخيام ويسرقونها،..
لو لم يسلوبني القرطين،..
كنت قد وهبتها لهم بنفسي لبناتهم دون منة ..
فأنا ابنتك،..
كنت قدمتها لهم عن طيب خاطر،..
لو لم يسلبوني!!، .. كنت أعطيتهم إياهم بنفسي..
لقد مضى ذاك الزمن الذي أتحسر فيه على ما كان،.. بعد أن صرت وحيدة في مشكاتي،.. ضائعة في صحراء الحياة والزمان.. وأنا أدرك أنك لا تستطيع أن تقول ضاعت ابنتي،.. وإن مضت قافلة الرحيل من دوني،.. بقيت وحيدة.. إلى أن أتى أحدهم ليأخذني مع الراحلين،.. ومن حولي كل من عرفت،..
فيا ليتهم كانوا قد ذهبوا،.. ويا ليتهم تركوني وحيدة في مكاني ومشكاتي..
جاؤوا بنا إلى الشام… وكنا نسير بين أهلها،.. فيا لسوء أخلاقهم وقسوتهم،.. كم كانت قلوبهم قاسية،.. كأنها من الحجر،.. وكم كانت سياطهم ثقيلة ولاهبة،.. وكم كان قلبي يحترق عليهم غماً من سوء العاقبة،.. ضربوني حتى لم أتمكن من الرؤية،.. وضربوني حتى انحنى ظهري منكسراً،.. ولم يستقم من شدة الألم،.. فكنت أتحسس خواتم أيديهم اللاطمة وجهي بلا سبب.
أبتاه.. كم يتشابه حالنا اليوم أنت وأنا..
أنظر،..
أنت على الرماح مرملاً بدمائك.. وأنا على الناقة مكبلة بالأصفاد،..
أنت في عينيك ترى ما حل بحالي،.. وأنا يداي مقيدة أرى ما أصاب حالك،..
كم نتشابه اليوم .. أنت وأنا
أنا أيضاً كسروا أسناني مثلك،.. فانتهت عباراتي الطفولية الجميلة التي كنت أرددها،..
انتهت،.. مذ كان هنالك في فمي أسنان سليمة،.. وتحول زمني فجأة إلى كهولة حاسرة،..
ومن حولي بات بدرك مكتئباً،…. من نعته يوماً بالقمر،.. وكان شمعتي في ظلام الآدميين.
Discussion about this post