يقول أدونيس: (إذا لم أكتبْ، فأنا أشعرُ بأنَّني غير موجود بالكتابةِ أكتشفُ من أكون، أتعوَّدُ اكتشاف ذاتي، والإفصاح عنها… تتيح لي الكتابةِ أيضاً معرفة الآخر. )
ونحن معشر الكتاب والشعراء
نكتشف بعضنا من خلال كتاباتنا حتى وان حالت بيننا الحدود والمسافات
فالكتابة تتيح مقاربة اللغة الشعرية للآخر التي هي عملية خلق وابداع باستمرار
وها انا رغم المسافات
اقرا للشاعر المغربي محمد الحفضي قصيده(شكاوى شهرزاد) التي شدتني واتساءل كما ربما تساءل الشاعر نفسه وقد يكون هذا التساؤل هو من انجب القصيدة
فممًا تشكو شهرزاد يا ترى
في هذا النص
وليست شكوى واحده انها شكاوى كما يوحي به العنوان
شهرزاد هو اسم مثير للجدل والفضول لانه اسم
السيدة الاولى في الف ليلة وليلة اسم السيدة التي ابطلت سحر الساحر اي جبروت الطاغية (شهريار )
الذي تزوج كل عذارى القبيلة وقتلهن في الخدر عرائس زاهيات بجمالهن والصبا في اليوم الموالي لدخوله بهن
شهرزاد الاسطورة كانت انثى ذكية جدا
حيث تمكنت من ترويض وحشية شهريار عن طريق
الحكايات التي سردتها على مسامعه بكل اغراء وتسويف
فما حكاية شهرزاد هذه القصيدة
هل خيبت ظن الشهرزادات السابقات – أم ما زالت صوت الحرية ونزعة التمرد في كل امرأة حرة أبية —-نكتشف ذلك حسب تدرجنا في فك طلاسم القصيد
—الشـٌكــوى الاولى
قالت..سيدي..————
كما تلعب بالكلمات
داعبني
كطفلة تحن لبريء الضمات
احضني
قص علي غريب الحكايات
واسبح في عيني
انا شهرزاد القصيد والمقامات
مللت من كاذب المتعات
امقت صافق الآهات
اسخر من ساخف الاعجابات
استهزئ من أحاسيس زائفات
كرهت خواء المجاملات
تعبت من تقادم السرديات
ورتابة عوالمي الباليات
أخذت إجازات قبل الاقالات
لم أعد فاتنة الحاكيات
شهرزاد هنا تريد حضنا يحنو عليها(داعبني كطفلة/احضني)ببراءة ) نراها تبعد الطرف المقابل عن وليمة الجسد بلغة اخرى تطلب الَا ينظر لها كجسد لا روح فيها-تريدتحقيق معادلة الروح والفكر لانها ملت نظرات الاعجاب السخيفة التى تهمل عقلها الخلاق ونقمت على ذكورية تراها دمية من شمع تُحرك حسب رغبات الطرف المقابل اي الرجل
وهنا شهرزاد هي المراة في المطلق التي تثور لانسانيتها وتسعى لرفع الغبن عن بنات جنسها
اذن هذه ليست شكوى بالمفهوم المتعارف عليه
هي ثورة على وضع بالٍ وفكر متحجر (للقبيلة)
وتصرخ علنا( لم أعد فاتنة الحكايات)صحوة ووعي
الشــكــوى الثانية
قالت. .سيدي ————
انت الان شهرياري
انا كلي لك الليلة
والليالي القادمات
نرى شهرزاد تتنازل عن لهجة خطاب الشكوى الاولى -هل هو الخوف من بطش شهريار اي من ردة فعل الرجال في مجتمع ذكوري قد يتألب عليها
أم هي استراتيجية وتراجع تكتيكي لتكون الوثبات الباقية في غاية التسديد وتصيب الهدف؟
الشــكــوى الثالثة
كما تغطس حروفك
في عطر اللغة والاستعارات
مرر سحر الهمسات
دعها تداعب مفاتني المحجبات
لاعود مراهقة
حالمة في اليقظات
كن أنت سيدي
فتى أحلامي
وفارس الأمنيات
أما عني..
انا. .في غمرة الدوخات.
(مفاتني) هنا تعود شهرزاد للحديث عن انوثتها
اي انها تريد رجلا يحدث في حياتها المعادلة الصعبةالتي هي معاملتها فكرا وعاطفة
الشــكــوى الرابعة
قالت. .سيدي———-
ارسمني في قصيدتك أنثى
في وصفها صدق الكلمات
شكلني من حروفك لوحة
وهبني الروح والحياة
لا تجنح إلى الخيالات
فلست اميرة ولا دمية
ولا غزالة أو ضبية
تركض في مروج الغابات
قالت. .سيدي
انا امرأة لك عاشقة
فجد علي بالحنان
و لا تشح بحالم النظرات
شهرزاد تريد ان تكون قصيدة او لوحة خالدة تقف صامدة امام رياح الزمن وهي تعلم ان الفن في كل مظاهره فعل خالد حتى وان فنِيَ الوجود
وحده الشعر خالد ويكتب الخلود لاصحابه
نلمس هنا سعة معارف هذه المراة القصيدة
كما لا تخجل من حبها للرجل وتصرح بذلك علنا(انا امراة لك عاشقة)
الشــكــوى الخامسة
قالت. .سيدي ———
انا قصيدتك العصماء
معك استعيد وهج الأنوثة
ويغيب عني صلف
الغيد الكاعبات المتنطعات
تذكره انها لا تريد ان تنزع انوثتها بل تريد حريتها والمعاملة الندية بعيدا عن (سَلْعنتها ) ونظرة انها انسان درجة ثانية ووعاء انجاب نكرة ومتحالفة مع شياطين الانس والجان ورجس من عمل الشيطان -وتذكره انها(قصيدة عصماء)اي اكسير الحياة
الشــكــوى السادسة
بعيدا عنك تموت الأمنيات
وتمسي الليالي باردات رتيبات.
والروضات مهملات مهجورات. .
وتواصل تذكيرنا ان المراة والرجل هما وجهان لعملة واحدة هي الحياة
وكلاهما في حاجة وجودية للآخر وان كل منهما للاخر وجود وحياتي
كما نلاحظ في مطلع كل شكوى عبارة (قالت:سيدي)
هو اسلوب حواري نفتتح به الكلام مع منهم اعلى منا مقاما معنويا وادبيا خاصة
لكن لماذا استعملت المراة هذا وهي التي تطلب الندية
حسب رايي وحسب مجريات الشكاوى
هي استعملت (سيدي)للتنبيه او حتى نوع من التحدي
اي افق يا سيدي انا ما عدت تلك الجميلة الصامتة
انا بلغت النضج الفكري وعرفت حقوقي لأن عقلية المجتمع أثقلت كاهلي بالوجبات
(يا سيدي )كلمة شعرية كررها الشاعر تكراراً فنياً ينبه المتلقي ويقوي المعنى.
ونعود( لاسم شهرزاد)
شهرزاد في الأدب العربي هي -نموذج إيجابي للمرأة الشجاعة التي واجهت الموت بالذكاء وبسحر القصة،
وفندت اسطورة ان المراة كائن ضعيف لا يقدر على جبروت وظلم رجل كشهريار
وهكذا قضت على الخنوع والرضى بالدونية
فنلاحظ أسطرة الشعر أي توظيف الاسطورة في الشعر عند الشاعر محمد الحفضي
كما نلاحظ غياب المخاطب وكأن شهرزاد في مناجاةذاتها محاولة تصوير افكارها ومشاعرها
فهي تريد ان تكون كما تريد هي لا كما يريده لها الآخرون
فيصلنا صوت شهرزاد في الشعر العربي
وهذه القصيدة هي سفر في الاسطورة باستعارة الاسم
كما ان لواقع المراة الحالي في مجتمعاتنا صلة بالماضي الشهرزادي لان شهريار ما زال مقيما بيننا
Discussion about this post