بقلم … وسام محمد جواد
جدلية الحياة والموت
*****************
تشكل ثنائية الحياة والموت، الثنائية الأكثر جدلا في حياة بني البشر، والتي لم يجد لها العلم بكل تطوراته إجابات وتفسيرات… من أين أتينا؟ وإلى أين نمضي؟ مخيرين أم مسيرين؟ أيمكن أن نختار وقت الموت وطريقته وزمانه ومكانه فنموت كأبطال الروايات بعد أن ننهي رسالتنا في الحياة وننتهي من توديع الأحبة وتكون النهاية مع إمتزاج الدموع التي تنساب من المآقي، أم أن الموت هو الذي يختار الوقت، يجهز علينا على حين غرة منا، ويقتل كل فرحة فينا، تلك الأسئلة الوجودية التي ربما جسدتها قصيدة ” الطلاسم ”
للشاعر ” إيليا أبو ماضي” افضل تجسيد.
” يموت الحي شيئا فشيئا، وحين لا يبقى فيه ما يموت، يقال : مات “. ( مصطفى صادق الرافعي )
الموت : هذا الغامض الخفي، الحاضر الغائب، المعلوم المجهول، القاصي القريب، الكتابة في حضرته تبدو مهيبة حينا، وبسيطة حينا آخر.
أحسب أن كل واحد منا قد جرب توديع عزيز عليه في رحلة سفر إلى مكان آخر… ما الذي يشعر به في تلك اللحظات؟
تختلط المشاعر، فقد تكون حزنا يرافقه بعض الفرح أو كلاهما، وقد يكون حزنا طاغيا يجتاح الروح ويجعل الدموع مطرا متساقطا يحفر اخاديده على الخدين.
كلنا جرب تلك اللوعة ومشاعر الإكتئاب، وهو توديع عزيز قد نراه مرة أخرى ونجتمع به إذا طالت فسحة الحياة.
الفقد، ومن لم تلوعه مرارة الفقد؟ ومن لم يدرك ولو بعد مرور السنين معنى أن لا ترى أخا، أو حبيبا، أو صديقا، أو إبنا صغيرا إختطفه ذلك الذي يسمونه الموت؟ وهل غفر أحدنا لهذا الزائر قسوة فعله وسرقة الحب والشوق واللقاء؟
الموت ضرورة من ضرورات الحياة، نعم ضرورة للحياة ويكفي أن نتصور ماذا يحدث للكون إذا لم يكن هناك موت وماذا لو دامت حياة البشر والحيوانات والحشرات إلى ما لا نهاية، لا شك أن الحياة كانت ستصبح مستحيلة للزحام نتيجة للتكاثر المستمر لآلاف بل ملايين السنين وكانت الحياة ستصبح راكدة بلا تجديد، ولذلك فإن الموت والحياة صورتان لحقيقة واحدة… وفي الحياة لا شئ يهذب أرواحنا وينقيها من الشوائب العالقة بنا ولا شئ يضائل حجم مشاكلنا ولا شئ يجعلنا نراجع حساباتنا ونتسامح أكثر مع من إختلفنا معهم ويجعلنا أقزاما أمام أنفسنا ويعرينا ويمرغ أنفنا في التراب ويجعلنا ندرك حقيقة أصلنا ومآلنا كالموت الذي تغدو بحضرته كل الأشياء عابرة بل وتافهة، هو ” الله ” الذي قهر عباده بالموت والفناء… علاقة الحياة بالموت قديمة بدأت مع الحياة، ولعل أقدم النصوص ذات الأصل السماوي عن الحياة والموت هي نصوص الصابئة المندائيين فقد تركزت نصوص كنزا ربا اليسار ونصوص كتاب الأرواح ( سيدرا إد نشمتا ) على تتبع أثر الروح من وإلى عالم النور، وظهرت بذلك نصوص أسطورية كثيرة حولها… كذلك إنعكست هذه الأساطير على الطقوس والشعائر فتكونت مجموعة منها لتسهيل حركة الروح وطهارتها وذاكرتها، وكما تميز المندائيون بأساطير الخليقة الخاصة بهم فإنهم تميزوا أيضا بأساطير الموت والنهاية والفناء… فالمندائيون يرون أن الإنسان يحمل في مادة جسده الفانية نسمة النور ( نشمتا ) وهي الوحيدة التي لا تموت ولذلك تخرج من الجسد بعد الموت لتعود إلى عالم النور، أما الجسد فيفني.
بقلم وسام محمد جواد
Discussion about this post