بقلم … وسام محمد جواد
الزمن بين أفلاطون وأرسطو
**********************
يقول أرسطو : ” الزمن هو مقدار الحركة من جهة المتقدم والمتأخر “، نلاحظ في البدء أن أرسطو يقيس مقدار الزمن الذي لا يتغير كمدرك حدسي بالحركة المكانية المتنقلة للأجسام بالعالم الخارجي من جهة هي كانت موجودات متأخرة ( ساكنة ) وانتقلت بالحركة فأصبحت موجودات متقدمة بالقياس إلى وضعها السابق المتأخر مكانيا… والملاحظة الثانية أن أرسطو يفرق بين الزمن ( وحدة قياس الحركة التي ندرك الزمن بها ) وليس هو حركة فيزيائية صرف يمكننا رصدها وتعيينها ومعرفتها منفردة من غير تعالقها بحركة الأجسام مكانيا.
الحركة هي ما يدركه الزمن العقلي مكانيا ولا تدرك الحركة المكانية للجسم هي ذاتها معنى الزمن وماهيته وكيف يؤثر عليها… هل الزمن فضاء إدراكي فوق العقل؟ أم الزمن فضاء إدراكي لا قيمة له دونما وصاية وتفكير العقل عليه؟ أم لا معنى لأحدهما العقل والزمن في إنفراديتهما الإدراكية للأشياء من دون تلازمهما؟ ثم لماذا ومتى نحكم على الزمن متحركا ذاتيا بإطراد مع حركة الأجسام أو هو متحركا بقواه وخصائصه الذاتية التي لاندركها فقط؟ أو هل الزمن ثابت غير متحرك أم متحرك متغير علي الدوام؟ وماهو مقياسنا لتأكيد أو نفي هذه المعادلة في الثبات والتغيير؟ وهل الزمن الأرضي هو نفسه الزمن الكوني؟ أسئلة تحتاج الكثير للإجابة عنها بعضها علمي والكثير فلسفي.
الزمن هو تلازم تجريدي إطلاقي عقلي حدسي يرتبط بيولوجيا بوظيفة العقل الإدراكية، لكنه أي الزمن ليس ماهية بيولوجية مدركة منفردة كجوهر مستقل، بل هو تجريد غير فيزيائي يكتسب معناه الفيزيائي من فيزيائية عمل العقل البيولوجي في معرفة الأشياء… أي أن الزمن يبدأ ملازمة الإدراك العقلي فيزيائيا بدءا بالحواس والوعي والجهاز العصبي ثم إنتهاءا بالذهن… والزمن يرافق جميع هذه الفعاليات البيولوجية فيزيائيا لكنه يبقى هو محتفظا بماهيته التجريدية غير المطلقة.
ويكون المكان إدراكا عقليا مستقلا تجريديا يرتبط بيولوجيا بعمل العقل وهو موضوع مادي أو موضوع خيالي لا فرق لكنه لا يستطيع الخلاص من ملازمة الزمن له… المكان صورة من إدراكات العقل الزمانية… والعقل يحتاج الزمن في إدراكه الموجودات مكانيا في عالم الأشياء الخارجية… والزمن قرين العقل الإدراكي قبل أن يكون قرين الموجودات المستقلة مكانيا في عالم الأشياء… العقل لا يستطيع إدراك الموجودات مكانا في حال عدم ملازمة الزمن له… ونحن ندرك الزمن في مقدار حركة الأجسام ونعجز عن إدراك حركة الزمن موضوعا مجردا منفردا عن ملازمته حركة موجودات المكان.
والحركة خاصية الزمان الذي هو ( ثابت مطلق ) غير متحرك حين تكون طبيعته مطلقة فيزيائيا بحكم الكون والطبيعة والأشياء، والزمن يكون محدودا فيزيائيا متغيرا بحدود معرفتنا وجود الأشياء وإدراكنا لها في ثباتها وفي حركتها المكانية على الأرض… والزمن تحقيب إدراكي مكاني للأشياء محدود ومتغير به ندرك متغيرات مكان الأشياء المتحركة حين نفهم الزمن بمفهوم إدراكنا على الأرض وليس في مطلق وجوده الكوني في اللا نهائي الذي لا تدركه عقولنا المحدودة ككائنات أرضية؛ سوي بمقياس مقدار قربنا أو بعدنا الأرضي عن الكواكب والمجرات بالسنوات الضوئية بواسطة أجهزة إلكترونية متطورة جدا لهذا الغرض، وليس بتحقيب الزمن التاريخي الأرضي بالسنوات التقويمية العادية.
الزمن تحقيب وقتي حركي محدود ومتغير في إدراكه إنتقالات حركة الأجسام الأرضية، ويكون الزمن مفهوما مطلقا يحكم الكون والموجودات في ثباته وليس في تغيراته بمفهومنا الأرضي له، فالإنسان يحس الزمن متلازما مع كل شئ ثابتا كان أم متحركا محسوسا في عالمنا الأرضي فقط… وهذا يعني ثبات الزمن وتغيره معا… ثبات الزمن أنه يحكم كل ذرة وجود بالحياة إلى أعقد ظاهرة أو موجود كوني… ويكون متغير حين يكون ملازما حركة الأجسام التي ندركها نحن في الطبيعة.
وبالحقيقة الأهم فالزمن ثابت لا يتغير لا في مطلقه ولا في نسبيته إلا بتفريقنا نحن لمدركاتنا الأرضية والكونية… هنا التعبير الفلسفي عن عدم تغير الزمن غير مستمد من قانون النظرية النسبية التي تربط تغيرات الزمن بالسرعة وكتلة الجسم، في النظرية النسبية لأينشتاين حيث يتغير الزمن أو تقل سرعته ولا تتغير صفاته الماهوية الثابتة كجوهر لا يمتلك ماهية معروفة لكنه متداخل وجودا في كل شئ يحكم الكون، ويحكم كل مدرك عقلي لنا أرضيا وكونيا معا.
أرسطو في عبارته التي مررنا بها ( الزمن هو مقدار الحركة بالأجسام ) يفهم الزمن مدركا مكانيا بدلالة ( حركة ) الجسم وإنتقالاته بمقدار معين عما كان عليه وضعه المكاني الثابت السابق… وبهذا المعنى هو يقصد الزمن الأرضي وليس الزمن الكوني.
بقلم … وسام محمد جواد
Discussion about this post