مشاوير 104…
———————-
بقلم … على غالب الترهوني
من بعيد تبدو رأس العيد مثل أرخبيل ممرد..أو ربما تبدو مثل غطاء صحن كبير .زينة حواشيه برسومات عفوية كما لو كانت بأقلام بسيطة عبث بها أيادي أطفال تعدوا اولى خطواتهم .مازال المسرب الذي يتوارى خلف مزرعة الزيتون .من خلفه تماما كانت هناك بيوتات علقت بين أشجار السرو العملاقة .ساحة المسجد تتوسط الحي رايتها وأنا طفل أركض وراء أمي .كانت الساحة في طريقنا .اكتظت ذلك اليوم بالحضور وثمة نفر مايزالون يتوافدون تباعا .بصعوبة كانت أمي تداري طيفها عن الشوافين وعابري السبيل .حتى وصلنا أخيرا الى بيت جدي لأمي . جلسنا في الباحة قليلا ثم رافقتنا حليمة بنت الجيران الى بيت تاجرة تبيع التحف .كان بيتها ملاصق لبيت شيخ الناحية .كليهما يمتاز بألوانه الزاهية .حيث طلية الواجهات باللون البني الفاتح وزينت شرفاته بأقفاص الحمام .شدني سرب حام حولنا ثم عاد لمكمنه.لا أدري ما سبب ذاك التجمع ربما لارى بعيني الباحة التى جمعت الاجساد وفرقت القلوب .
وثمة مسرب أخر كنت أقطعه كثيرا ..حتى عندما أكون وحيدا .احيانا لا أنتظر رفيقي حسين .أمشي بمحاذات الاشجار .ثم أصعد التل الذي نقف عليه ألان أنا والحاج مبروك .ثم أقف على القمة في أنتظار أن ارى ضيفة الحاج عبدالله التى التقيت بها ذات مرة رفقة العائلة.بعد يوم ماطر كنت أجلس على ضفة وادي جرف الخيل .وقد مرت من أمامي.لا زلت أذكر بعض تفاصيلها .كانت ترتدي فستان زهري طبعت وردتان صفراوين على صدرها الذي نفر قليلا فبدا بحجم الكف ..كانت نموذجا أخر لجمال همت فيه ونسيته .
تعلقي بهذه القمة كان ازليا .والدي أيضا كان يعشق الوقوف هنا .ويوم سألته لم يقنعني حين قال ..الجو منعش وجميل .يمكنني أن اترقب وصول القوافل التي يأتي بها ركب الشمال .أبتاع أحيانا ما أريد قبل أن تصل القوافل الى الخضراء.نعم لم يقنعني وأمي كانت تشك في مسلكه الغريب خصوصا عندما يحمل معه الخراج الذي يدس فيه محتويات شرب الشاي.كان بيتنا في مواجهة القمة دائما.وأمي ترقبه وهو يشعل النار ويصنع لنفسه الشاي .وذات مرة قال .على القمة ضريح جدك عمر مسعود .ينام هناك بسلام .دفنا بالقرب منه بضع اطفال ماتوا في المهد .وهذا أيضا لم يقنعني .
قبل ان نقرر مواصلة المشوار .وضع الحاج مبروك يده على كتفي ثم قال .من ذلك المجنون الذي يترك أرضًا بكر ومرج يسرح فيه الخيال ليزداد خصوبة .وهواء لم تلوثه رائحة الاسماك ولا الاجساد .ستري الشجرة التى غرستها أنا ووالدك .لم نكن جادين فعلا حين غمرنا نصلها في الارض .ولكن دبت فيها الحياة .هذه الارض تهب الحياة للجميع .وبيتي مازال مفتوحا كما تركته قبل ثلاثين عاما .هل تعلم أن لا شيء يقف أمام عودتي مجددا .
———————-
بقلم … على غالب الترهوني
Discussion about this post