الرواد نيوز …
قصة شق البحر والخروج من مصر هي أهم القصص التأسيسية لليهود في التوراة، فهي تُقدَّم على أنها بداية نشوء الوحدة القومية/العرقية التي تُدعى “شعب الله” في التوراة و”قوم موسى” و”بنو إسرائيل” في القرآن، حتى أن كُتّاب التوراة أفردوا لها سِفراً كاملاً من أسفار التوراة هو “سفر الخروج”.
في “سفر الخروج” (15: 7-5) يقول الكاتب التوراتي: “الرَّبُّ رَجُل الحرب، الرَّب اسمُه. مَركبات فِرعَون وجيشه ألقاهما في البحر، فغرق أفضل جنوده تُغطّيهم اللُّجَج. قد هبطوا إلى الأعماق كحجر.”
وحيث أن هذه القصة مرويَّة في التوراة والقرآن على أنها وحي إلهي مُنزل، فإن أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث يعتبرونها حقيقة تاريخية لا نقاش على صحتها وواقعيتها.
ولكننا نعرف الآن يقيناً أن هذه القصة التوراتية ما هي إلا قصة مُستنسخة من “أسطورة بعل” الكنعانية الأوغاريتية الواردة في الرُّقم الستة التي اكتُشفت في أوغاريت بالقرب من الساحل السوري الشمالي عام 1930. ففي الرقيم الرابع والخامس تروي لنا الأسطورة الأوغاريتية قصة الصراع بين الإله “بعل” وإله البحر “يَم”، حتى تقول: “تراقصت الهراوة بين يدي بعل. وانطلقت كنَسرٍ من بين أصابعه. أصابت الأمير يَم في جبهته… اهتزت مفاصله وتهاوت مهمته.”
يقول عالم الآثار البريطاني بيتر غريغ في كتابه “أوغاريت والعهد القديم” (1983): “ما لا يتبيّنه قارئ اليوم هو الطريقة الحاذقة التي استعار بها الشاعر العبري من الميثولوجيا الكنعانية مُعطياً بذلك القوة والزخم لأفكاره، فتحتَ كلمات وبُنية هذه الأنشودة (أنشودة الخروج) هنالك عناصر مركزية من أسطورة بعل.” (131) ثم يتابع فيقول: “في أنشودة البحر عمل الشاعر العبري على تطوير العناصر نفسها من خلال بُنية أنشودته. فهي تبدأ بالصراع بين إله العهد القديم وفرعون. والشاعر هنا يستخدم العناصر نفسها ويحوِّلها بطريقة حاذقة.” (132) حتى أن الكلمة المستخدمة في النص التوراتي بمعنى “بحر” هي “يَم” (ים) وهي نفس إسم إله البحر في الأسطورة الكنعانية الأوغاريتية التي سبقت تأليف سفر الخروج بأكثر من ألف عام.
الغريب في الأمر أن كاتب قصة الخروج التوراتية يمجِّد الرب “يهوه” صانع المعجزة فيقول (15: 11): “مَن مثلك بين الآلهة يا رب!” مُعتبراً أن “يهوه” هو إله من بين آلهة كُثُر. ومن الواضح أن الكاتب نسي نفسه وهو ينسخ من أسطورة بعل الأوغاريتية فنقل هذه العبارة حرفياً دون أن ينتبه إلى أنه ينسف بذلك أساس عقيدة التوحيد اليهودية.
والأغرب من ذلك أنه يقول بعد ذلك بقليل (15: 16-14): “يسمع الشعوب (بمعجزة الخروج) فيرتعدون… يذوب جميع سكان كنعان، تقع عليهم الهيبة والرُّعب.” فكاتب سفر الخروج “يسرق” أفضل ما أبدعته المُخيلة الكنعانية الأوغاريتية فيحرِّفها ويزوِّرها ويتلاعب بها على راحته، ثم يستخدمها (باسم “يهوَه” المحرَّف عن “بعل”) سلاحاً يحارب به الكنعانيين أنفسهم! ألا يذكِّركم هذا بما يفعله أحفاد الكاتب العبري بأحفاد الكنعانيين في هذه الأيام؟!
Discussion about this post