بقلم دكتور … عاطف معتمد
يعتبر الأستاذ خيري شلبي من الذين ربطوا المعارف الجغرافية بتعاطي الحشيش. وهو لا يجعل من حضور الحشيش خلفية روائية بل يكتب دون مواربة عن معرفته بالأصناف والمواقع والتعاطي وخبرة من الدرجة الأولى.
ولعل أبرز مثالين في أعماله رواية “صالح هيصة” عن غرز الحشيش في شارع معروف بوسط المدينة، علاوة على الكتاب الذين بين أيدينا، الذي يضم شطرا من التوزيع الجغرافي لتعاطي الحشيش في القاهرة وخاصة في حي الباطلية الذي بلغ ذروة مجده في نهاية عصر السادات، الذي يراه خيرى شلبي من كبار العطوفين على الحشيش والحشاشين.
لكن يجب القول إن هناك بعض ملاحظات على هذا الكتاب الشهير “بطن البقرة”.
(أولا) :
لست متفقا مع وصف العمل الذي بين أيدينا بما جاء في العنوان الفرعي من أنه “جغرواية” أي “جغرافية الرواية” أو “رواية الجغرافية”.
وذلك لأن العمل الذي بين أيدينا ليس رواية في ثوب جغرافي ولا جغرافية في ثوب رواية بل مزيج من المقالات السردية عن الجغرافيا وحكايات من كتب التراث ومواقف من السيرة الذاتية عن ثلاثة أحياء:
– القرافة أو مقابر القاهرة فيما بين المقطم والأحياء السكنية التقليدية.
– الباطلية، ذلك الحي الشهير بتجارة وتوزيع المخدرات.
– بطن البقرة أو بركة الأزبكية.
(ثانيا)
يجب هنا أن نسجل أن العارفين بجغرافية القاهرة قد يختلط عليهم مكان موقعين يحملان اسم بطن البقرة:
– موقع عند مصر عتيقة عند أقدام جبل المقطم رسمه علماء الحملة الفرنسية في أطلس وصف مصر باسمه المحلي “بطن البقرة”. وهذا لا علاقة له بالعمل الذي بين أيدينا ولم يأت المؤلف على ذكره أو تناوله.
– موقع بركة الأزبكية التي يتحدث عنها خيري شلبي في العمل الحالي والتي تقع إلى الشمال بعيدا عن مصر عتيقة.
(ثالثا):
يبدو لي أن تسمية العمل “بطن البقرة” ظلمت محتوى الكتاب الإجمالي، ذلك لأن “القرافة” – أو حي الأموات أسفل المقطم – تشغل الثلث الأول من الكتاب، والباطلية – حي الحشيش والفساد والمزاج – فتشغل الثلث الثاني، بينما لا تشغل بطن البقرة – حي الأزبكية – سوى الثلث الأخير من الكتاب (من صفحة 175 وحتى صفحة 260 ).
ورغم هذه الملاحظات الشكلية – المتحذلقة على ما يبدو – إلا أن العمل مهم وشيق في آن، وجدير بالذكر أنه غير متوفر على الإنترنت ويصعب الحصول عليه من دور التوزيع لنفاد الطبعات منذ صدورها عام 1994. وإن كانت دار النشر – الكرمة – تعيد إصدار العمل من فترة لأخرى.
وقد حصلت على هذه النسخة الورقية بعد أن أوصيت أحد بائعي الكتب القديمة بتوفيرها، وقد كان شابا شهما وفى بوعده وأحضرها في حالة جيدة وبسعر معقول دون استغلال شغفي بها.
كل ما سبق كان عرضا موجزا عن الشكل والترتيب والمحتوى العام للكتاب أما العرض التفصيلي والمراجع التي عاد إليها المؤلف وطريقة السرد وتجواله من مكان لآخر فيستأهل مقالا طويلا مستقلا، لعل أحد القراء الشباب يتكفل بذلك ..لأني لا أريد أن أعد بذلك وقد وهن العظم مني
ولم أعد قادرا على الوفاء بالوعود.
Discussion about this post