فاطمة عبد العزيز محمد
إن من الناس من يسلك طريق الإيمان فيكمله حتى النهاية، ومنهم من يسلك هذا الطريق فيتعثر فيه ثم يعاود النهوض، فيمشي ثم يتعثر وهكذا، خطوات فيها تردد، ومشي فيه تباطؤ، ومن الناس من يسلك الطريق من أوله ثم ينكص على عقبيه فيرتد إلى طريق الضلالة.
فنجد إن معرفة الحق ممكنة، فيمكن للناس أن يعرفوا الحق في أمور كثيرة، وأن يلتزموا به يوماً من أيامهم، ولكن المشكلة هي الثبات على هذا الحق الذي عرفوه، وهذا الإيمان الذي وصلوا إليه.
من هنا نستطيع أن نعلم لماذا قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [الأحقاف:13]، ثم استقاموا على هذا الطريق.. (قل آمنت بالله ثم استقم)، اي واصل المشوار، دون تلكؤ ولا تباطؤ.
وهذه المشكلة يقع فيها كثير من المسلمين، لا يعرفون المواصلة والثبات على الطريق الذي سلكوه، وقد يصرف بعضهم جهداً كبيراً حتى يصل إلى الطريق، فإذا ما وصل إليه تقاعس وانشغل بالدنيا وزخرفها.
والاستقامة فضيلة عظيمة يدعوا إليها الإسلام، فيقول الله عز وجل في محكم تنزيله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
ويقول عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف:13]، أنها دعوة إلى الاستقامة، بعد الإيمان بالخالق.
ايضا جاءت الدعوة إلى الاستقامة في مواطن من القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].
ولقد أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ».
فيجب على المسلم الحرص على الاستقامة على أمر الله وهو ما يحتاج صبر واجتهاد، فعليه ان يقوم بمجاهدة النفس والهوى، والشيطان، وعدم الغفلة عن ذلك، ومحاسبتها في كل وقت وحين، فالاستقامة سبيل النجاة، فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى جنته ودار ثوابه.
ومما لا شك فيه أن نتائج ترك الاستقامة، وعدم الثبات عليها خطيرة، لأن ذلك يعني الانحراف عن الدين ونهجه، وهذه النتائج تمس الفرد، والمجتمع، وقد قص علينا القرآن ما حدث لأفراد وأمم تركوا الاستقامة وانحرفوا عنها، فكان عاقبتهم الخسران في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
وقال أيضاً: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].
فكان حكم الله تعالى في قارون لما زاغ وانحرف عن جادة الاستقامة: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].
وقال في بلعام اليهودي الذي انحرف وانساق وراء الشيطان فخسر الدارين وربح الذم الأبدي: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 175 – 178].
وما حدث لبني إسرائيل من نكبات معروفة، فما هي إلا لتركهم الاستقامة، وتنكبهم عن جادتهم ومنهجها.
إن قانون الله تعالى وسنته فيمن ترك الاستقامة، قانون صارم لا يحابي أحداً، وهو ما تقدم الخسران سواء على الصعيد الفردي، أو الجماعي، وإن اختلفت العقوبة بحسب مقدار الانحراف والزلل، وما أصاب أمتنا من نكبات ومصائب، ما هو إلا جراء مخالفة هذا القانون والسنة الإلهية، والتنكب عن جادة الاستقامة.
فالاستقامة هي الطريق السليم للنجاة، وهي الطريق الذي يجب على المرء أن يسير فيه ليصل إلى جبهته، فلا قيمة للوصول إذا كان الشخص أعوج وطريقه مثله، إذ أن الله تعالى لا يرضى عن العوج.
Discussion about this post