بقلم دكتور … محمد الدليمي
عرفنا وتعلمنا إن لغتنا العربية هي لغة توقيفية من عند الله سبحانه ؛ وكلنا فهم نص الآية القرآنية الكريمة بعد تأويلها في مناشير قديمة وحديثة على صفحتنا المتميزة بهذا المضمار ؛ الذي أعتبرته اللغة من قبل علمائها الأفاضل الأقدمين هو الأقوى في علومها والأعظم والأجل، ونحن عملنا فيه بعد مراعاة التفاسير القديمة والحديثة منها ما هو مهم في الدراسة اللغوية ، فيكون تأويل الآية على النحو التالي قال تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها ) البقرة ٣١، شغلت العلماء قديما وحديثا ولم يستطيع أحد علماءنا الأفاضل تأويلها بالشكل الصحيح مع العلم ذكرت القصة بحذافيرها ولا تحتاج الى عناء كثير بل الى فطنة ودراسة لغوية جيدة حتى يستطيع الباحث استخراج المكنون . سأذكر التأويل على شكل قصة مفهومة كما ذكرت الآيات الكريمة كي يفهمها العامي والباحث على حد سواء ؛ ذكر رب العزة من معنى الآيات إنه جمع الملائكة وكان من ضمن الساحة أبليس لعنه الله فجاءه الأمر كما جاء للملائكة – هذا الأمر تصغير لأبليس – فأمر جبريل عليه السلام بأن يأتيه من أديم الأرض فنزل جبريل عليه السلام الى الأرض وأخذ من كل بقاعها حفنة والله أعلم بكبرها وحجمها وجاء بها الى السماء وجعل سبحانه وتعالى الأديم طينا فصلصال فقال الله بعد صناعة آدم عليه السلام إذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين والملائكة – وهذه لمن يقول الملائكة ليس لها عقل – كلهم من كان في تلك الساحة شاهدين على خلق آدم عليه السلام .
الشهادة هنا ليس فيها تكليف إلا ما أمر فيها. فنفخ الله سبحانه الروح وفي تلك النفخة قرأ سبحانه على آدم عليه السلام كتاب الذكر كتاب الدنيا الذي كتب باللغة العربية والقراءة معلومة والكيفية مجهولة ؛ فتعلم آدم عليه السلام اللغة العربية نطقا وفهم معناها، هنا اصبحت لغتنا توقيفية مطلقا وكل ما نزل من علومها وآدابها هو توقيفي من عند الله ؛ فالشعر العربي توقيفي من اللغة فعندما ننهض به فأننا ننهض باللغة ، فالمقابل هو النهوض في تأويل آيات القرآن العظيم وفهم معناه، وكذلك عندما ندرس القصيدة العربية ونفهم خباياها فأننا ندرس بالحتمية ألفاظ اللغة العربية وقوامها العظيم ، وكذلك عند دراسة أوزان وبحور القصيدة العربية الخمسة عشر بحرا مع متداركها ،فهي دراسة للألفاظ بمعانيها وجمعها هو معرفة الفاظ كل بحر ما يكون له من الفاظ دون نقص او زيادة والتراكيب اللغوية؛ ستأتي حتما برونقها وبريقها العظيم وكذلك دراسة القافية هو دراسة اتمام المعنى من خلال الألفاظ البلاغية وكل بيت لا يمكن أن ينتهي من دون إتمام معناه ، ومن خلالها سنتعرف على الومضة من القصة ، فهي عربية أصيلة انظر الى هذه العظمة :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
هذه الومضة الحقيقية في القصة عربية تامة المعنى عجيبة الألفاظ ما إن قرأتها إلا وأتت بقراءة ثانية وثالثة ، فأي لغة نهمل وأي معصية نرتكب ألا نخشى الله بما أكرمنا به من دون العالمين ! عجبا لمؤسساتنا التعليمية من خطيئتها الكبرى ! .
علم النحو العربي توقيفي حتما لأنه من أصل اللغة فمن تعلم النحو كالساجد والراكع والقائم في الليل فمن أحسن دراسته أحسن خشوعه مع الله سبحانه؛ ومن علمه للناس فهو الصدقة الجارية لباقي علوم العربية ، فهو بابها الأول فمن فتحه وأجتهد فيه قبلته وأدخلته في قلبها وافهمته ما جهل منها ، ومن استحى الدخول الى علومها كمن صدقته في يده ويستحي أعطاءها .
وكذلك هو علم البلاغة أجل علوم الأرض وأنفعها وهو توقيفي من اللغة ويبحث في أصلها وتراكيبها فمن تعلمه فتح الله عليه اسرار لغته العظيمة .
وهذا درس الأملاء من العلوم الجليلة فهو يكتب الحسنة ويمحو السيئة فهو يحافظ على اللغة من الزوال كالحافظين حدود الله في شريعته فمن يتعدى هذا العلم كمن تعدى حدود الله .
وكذلك الإعجام والتنقيط و ( علامات الترقيم ) فهما عربيان كلمة واحدة فكيف ندرس علم النحو من دون تعجب واستفهام وقول الله تعالى من دون اقتباس ؟.
فمن ظن لغتنا ليست من الدين فهو واهم ويكفينا نزول القرآن الكريم والكتب السماوية والصحف المكرمة باللغة العربية فهي لغة السماء قبل أن تكون لغة الأرض ، فمن ابتكر فيها شيء كالشعر الحر أو القصيدة النثرية كمن أحدث في كتاب الله تحريفا ليس بما فيه، يقول تعالى ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) عبثا ما تفعلون بل أنتم تقتلون الخير في نفوسكم وتستبدلونه بالكذب ، فكل أمر وضعي ( من وضع الإنسان ) في اللغة
فهو يتحول الى الكذب، وقلة المروءة، لدى الإنسان فأنت تقتل الصحيح بواقعك البائس وهو الشعر العمودي ، وتظهر الحر بوجه العموم ولن تجعل من قولك بالنفاق نحن ندعم الأثنين وهل يسكن الحق بجانب الباطل فذلك محال وعن الفكر بعيد ومن نشأته يموت أحدهما وفي القرآن الكريم الكثير من المواعظ والأوامر لنا ؛ تنهانا عن الأبتداع في الفكر التوقيفي فكل ما نزل من الله فهو توقيفي فمن ابتدع فيه أضر نفسه ومن حوله .
فالأولى أن نعتني بالنثر الحر ( الشعر الحر ) على إنه نثر حر كباب السجع من البديع والنثر هو من الأبواب الواسعة في العربية ففيه ألف باب وباب فهل أحد من علماءنا الأجلاء أهتم لذلك الباب العريق ودرس النثر وما فيه من ابواب واصناف فلماذا هذا التقاعس الذي ملأ مدارسنا وجامعاتنا وابقى الجهد الفردي هو المعول عليه.
ألم تكن لغتنا بعد هذا التفصيل هي بمثابة الصلاة لله في دراستها ؟ فليجيبنا من لديه أعتراض . وأكتفي بهذا القدر المستطاع ولكم التحية والأكرام .
الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
Discussion about this post