نزهة العقول في رياض الفصول
فلسفة وثقافة القراءة
بقلـــم :
لميـــاء العامريـة
إقـــــــــــــرأ …….
هي اول سورة مكّية نزلت بوحي من الله سبحانه جلّ وعلا على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه حين البعث ، بفعل الامر
( اقرأ باسم ربّك الذي خلق … الى قوله تعالى ( الذي علّم بالقلم ، علّم الانسان ما لم يعلم )
ويح امّة إقرا ان لم تتفكر في عظمة ومكانة القراءة وما يدوّنه القلم ، ولا جدال ان خيّر الكتب واعظمها كتاب الله ودستور الحياة والوجود ( القرآن العظيم ) ..
وقد قيل الكثير في حق الكتاب ومكانته ، فهو خير سمير في كل زمان ، وغذاء العقول وحادي الارواح الى عالم الماضي والحاضر وهي الاثر الخالد عبر العصور وليس من وجه المبالغة انه لولا الكتابة والكتب ما كان تاريخ ولا توثيق ازمنة مضت وحضارات سادت ثم بادت .. فالكتب عصارة فكر عميق وروح ، وخلاصة معارفٍ قادت البشرية نحو السموّ والرقيّ الانساني ، وهي دوحة المعارف وميدان المدارك وقد قيل
” الكتب ليست اكوام من الورق الميت ، انها عقولٌ تعيش على الأرفف ”
نعم هي عقول تعيش على الأرفف ، مضى اصحابها لكنها خلّدتهم ، لتنهل من العقول وتتوسع بها مدارك الناس ، وتنمو في ظلها العقول وترتقي النفوس .. فلا ينمو العقل الا بإدامة الفكر ، ومطالعة كتب المفكرين ، واليقظة لتجارب الحياة ..
ومن الاجحاف ان نجد من يقرأ دون عمق ودون ان يضيف لفكره فكرا اعمق ، ومن الجهل بل قمة الجهل ان تكون القراءة لغاية ان يقال فلان قارئ ، متشدقا بما قرأ من هنا وهناك ، والتقط بعض المفردات ليتمشدق بها .. في هذا يقول الفيلسوف والمفكر الانجليزي فرانسيس بيكون : ”
لا تقرأ لتعارض وتفنّد .. ولا لتؤمن وتسلّم .. ولا لتجد ما تتحدث عنه .. بل لتــــزِنَ وتفكّــــــــــــــــر … ”
فالكتب ازمنة وعصور ، وفكر في فضاءات المعارف والمدارك ، وحياة لا تحدها الاعمار وفينا من لايكفيه الا ان يعيش حيواتٍ سبقت ازمانه وحياته .. يقول الكاتب وعملاق الادب الراحل عباس محمود العقّاد : ” احبّ الكتاب لا لأنني زاهد في الحياة .. ولكنّ حياة واحدة لا تكفيني ”
اما الروائي الكبير نجيب محفوظ فيقول : ” ان اكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري ”
وغالبا ما نجد الكثير من الكتّاب وعلى وجه الخصوص من جيل النشئ الجديد انه يختزل الازمان ويقفز الى مرحلة الكتابة دون ان يكتسب الخبرة اللازمة والخزين الهائل من المعرفة ولم يلمّ بعد بأركان الكتابة ويطور مهاراته ويوسّع خزينه المعرفي واللغوي والبلاغي ..ان تكون كاتبا لابد من كمٍّ هائل من القراءة والمران الطويل ، ان تملك قوة الفكر والتعبير وتوظيف خبراتك اللغوية التركيبية والفنية ملمّا بالبلاغة والفصاحة غنيا بمَلَكة المحسنات والبديع .. ولكي تكون كاتبا ان تلتهم كل ما يقع بين يديك من كتب او صحفٍ اوكتيّبات ، عندها سيتمكن عقلك وما اكتسبته من فرز الغثّ من السمين .. يقول الكاتب والصحفي السعودي محمد الرطيان : ( دع الحياة تكتبك ، واتركها لتقرأك بعناية ، وبعد هذا اقرأها بشكل جيد ، ثم اقرأها بشكل جيد ، ثم اقرأها بشكل جيد ، ثم اكتب .. )
ان تمضي في طريق القراءة ، وتسخر ما تمتلكه من مصروفك لاقتناء كتاب ..لا يعني انك اهدرت مالك ابدا ، فبعض الكتب يمكن تقييم اثمانها ، غير ان من الكتب ما لا يمكن تقييم اثمانها حين تمنحك الفكر الواسع العميق وتصل بك حيث الغاية الانسانية والفكرية والمعرفية التي لا تقدّر بثمن .. كمثل المكان المرتفع الذي لا يصل اليه قصار الهمّة والعقول ..
اعمل على ان تحوي مكتبتك من امهات الكتب واندرها وما لا يقدّر ثمنها حتى وان اقترت على نفسك في ملبسٍ او مأكل ، ولا ترخص من اجلها سهر الليالي وتركن الى دفء فراش ووسادة ..
وتنقّل بين رياض وفصول اللغة وعلوم الفقه والدين ، والعلوم الانسانية ، والفلسفة والسياسة ، وفي دوحة المفكرين ، وازمنة المؤرخين ، وبين جنان الادب والشعر والثقافة ، ولا تقف حتى عند كتب الطب والرياضيات .. واقرأ الكتاب من الغلاف الى الغلاف وان عافته نفسك ، وتفكَّر .. تفكَّر بعمق عندها ستدرك كيف تفكِّـــــــــــــــــــــر وتَـــــــــــــزِن .. وبعدها ستكتــب ما يخلّـــدك به قلمــك …
من هذه الكتب النوادر نهلت ما ارتقيت به وافنيت من سنيّ عمري ..وهي النزر اليسير جدا مما اخفيت ….
Discussion about this post