الرواد نيوز …
قصة ( اليربوع الصغير )
قصة من رجل عمره 101 عاما ..
قال: لقد رأيتُ في حياتي عَجَبًا، ولكن أعجبها إليَّ ما سأقصُّه عليك، فاحفظ عني وخذ العبرةَ لك ولمن وراءك.
لقد كنا في الزمن الغابر نقتاتُ في بعض مواسم السنة على ما نقومُ بصيده، وكنتُ قد خرجتُ ذاتَ موسم إلى الموضع الذي يغلب فيه ما يؤكل لحمُه من الصيد..
مرَّت بضعةُ أيامٍ وأنا أتربَّصُ للصيد دون جدوى، حتى بدأ اليأسُ يدبُّ إلى نفسي من الرزق في تلك الغدوة، وبينما أنا كذلك أراني الله عجبًا.
لقد رأيتُ ثعبانًا يراقبُ شيئًا ما ويتحرَّكُ نحوه ببطءٍ فتبعتُه حتى رأيتُ أمامَه يربوعًا صغيرًا يأكلُ من خشاش الأرض، وسرعان ما صار بين فكيه اللذين بدءا بالاتساع شيئًا فشيئًا حتى تمَّ ابتلاعُه بالكلية وأنا في مكمني أتابعُ المشهد، وأرى جسمَ اليربوع يتنقَّلُ في جوف الثعبان ببطء من حلقه إلى وسطه، وعندما وصلَ اليربوعُ إلى نحو نصفِ جسم الثعبان تحرَّكتُ نحوه، وأخرجتُ بندقيتي وصوبتُ فوهتَها نحو رأسه وأطلقتُ رصاصةً عاجلةً خرقته وتركته يتلوى قليلًا حتى سكن.
أقبلتُ عليه وأخرجتُ حربتي وطعنتُ في الموضع المنتفخ من جلده وشققته فخرجَ اليربوعُ وفيه رمَقٌ، لم يمُت بعد.. ركزتُ حربتي وجلستُ غيرَ بعيدٍ منه وأنا أتأملُ فيما صنعت، لا أدري ما الذي دفعني لفعل ذلك!!
إني أرى الحياةَ تعودُ إليه.. بدأ يمشي.. يحاولُ الركضَ لكنه يترنَّحُ يمنةً ويسرةً.. بدأ يُسرع.. ركضتُهُ مستقيمة.. يا الله.. لقد نجا.. لقد نجا !!
لم أكد أُنهي خاطرَتي وإذ بصقرٍ ينقَضُّ من عَلوٍّ كالبرق، فينشبُ مخالبَه في جسد اليربوع ليطيرَ به بعيدًا، ويختفي عن مدى بصري ويتركني في ذهولٍ من مشهدٍ سريعٍ خاطفٍ مرَّ كلمح البصر .. ولكن شعرتُ حينئذٍ بأنَّ رسالةً ما قد بلغتني عن ربي مفادُها:
“ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك” نعم، إنَّ الله هو من يُعطي ويمنع، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
لقد أفدتُّ من هذا الدرس ألا أهتم للرزق ما حييت.. وها أنا ذا يا ولدي أمامَك قد جاوزتُ المئة، ومرَّ على تلك الحادثة قرابةَ السبعين سنةٍ وأنا أتقلَّبُ في رزقِ ربي، لا يضلُّ ربي ولا ينسى.
الآن وقد مضى على ذلك اللقاءِ نحو ربع قرنٍ من الزمان أكتبُ عن ذلك الدرس الذي أفدتُّ منه فوائد جمَّة، في أعظم ما يحتاجُ فيه العبد أن يكون متوكلًا على الله، وهو (الرزق والأجل)!
لقد وافى الثعبانَ أجلُهُ في لحظةٍ ظفرَ فيها برزقٍ وافرٍ كان يظنُّ أنَّه سوف يستمتعُ به، وإذا به رزقُ غيره سيخرجُه الله له من جوفه، وهو لا يعلم.
وأما اليربوع فقد أُكِلَ مرَّتين، وكانت المرةُ الثانيةُ في اللحظة التي ظنَّ فيها أنه نجى بالفعل، ولم يشعر أن مستقرَّهُ سيكون في بطنٍ آخر بعد أن يُقطَّعَ إرَبا.
وأما أمرُ الطائر فهو الأعجبُ عندي، فقد أخرجَ اللهُ له رزقَهُ من حيثُ يبعدُ أن يكون، وسخَّر له المخلوقَ الأرقى في الأرض ليقومَ بتلك المهمة.
Discussion about this post