هالة القحطاني
شخّص علم النفس مسألة “لفت الانتباه”، كأحد الاحتياجات النفسية والطبيعية للإنسان، التي لا تختلف عن متطلباته البيولوجية والعاطفية، ويرى علم النفس أيضا بأن هذه الاحتياجات، إن زادت عن حجمها، قد تتحول مع الوقت إلى مرض نفسي، يقيد صاحبه، في حلقة متواصلة من القلق والهوس والنرجسية.
ويكفي أن تأخذ اليوم جولة سريعة، على بعض تطبيقات التواصل، وبعض القنوات الإعلامية لترى بأن ما يحدث خرج كثيرا عن حدوده ؛ من تزايد في استعراض للممتلكات والنعمة، والأزياء والجمال المُصنّع، والتفرد بمميزات وهمية، والتهويل بالإنجازات العادية، ناهيك عن صور مدح الذات، بنرجسية بغيضة، ليشير كل ذلك إلى خلل كبير، تكوّن سريعاً في فترة زمنية بسيطة محدثاً في نفس الوقت، تغيير جسيم في تركيبة المبادئ والقيم والأخلاق، لدى شريحة كبيرة من الناس.
في الماضي، كان المبدعون وأصحاب الإنجازات الحقيقية، الذين يبذلون مجهودات وتضحيات كبيرة لتحقيق أهدافهم، يتواضعون زاهدين بأنفسهم عن الشهرة، التي تعد مسؤولية حطت على عواتقهم. دون أن يسعوا وراءها، بقدر حرصهم على تحقيق إنجازات أكبر، فتجدهم ينحازون للبقاء في الظل، كي لا تسوّل لهم أنفسهم بالغرور، وليبقى إنتاجهم في المتن أصيلا ومميزا.
وبعد التطور الرقمي السريع للمجتمعات. أصبحت لذة الشهرة والربح السريع حلماً ورغبة جامحة تستحوذ على تفكير شريحة معينة من الناس ، فما إن تنجح زلة أحد ما ويكسب شهرة بالصدفة، حتى يبدأ البعض، في تكرار نفس الزلة، لعل وعسى أن يصل لمبتغاه ويشتهر، الى أن أصبحت الأخطاء، منهجا يُتبع، إلى أن زادت كمية الرسائل المخيفة، التي تبثها التطبيقات يوميا خاصة، تلك التي تعزز فكرة، أن الشهرة والسعادة والثراء، سهلة المنال. ولا تحتاج إلى دراسة أو تعليم أو أي مجهود. مجرد هاتف محمول، والقليل من الجرأة أو السماجة، لعمل مقطع مثير واحد وتتحقق الأحلام.
والرسالة التي تتكرر أيضاً، بأن أي فرد كان قد تعرض لاضطهاد، أو عنف أسري في مجتمعه سيهنأ بحريته المطلقة، ويبدأ حياته في إحدى الدول الغربية، ويكفي أن يبث يوميات عن حياته أو يستعرض ممتلكاته، أو يقوم بدعايات وأشياء أخرى بين ذلك، ليجني قوت يومه، ويصبح من علية القوم ، وهذه واحدة من الرسائل الخطرة التي باتت تتكرر وتبث بشكل يومي، لتغري بعض صغار السن والمراهقين بتجربتها.
فأصبح البعض، لا يكتفي بما هو خارج عن حدود الأدب. بل بتقمص أدوار وهمية، لمجرد إثبات الذات، وإعادة توجيه الجماهير نحوه. فتلبسه النرجسية، ويذهب لأبعد مدى مقتحماً مجالات متخصصة، ليدلو بدلوه بطريقه مبتذلة. المهم أن يبقى في دائرة الضوء. فإن خفت الوهج، أو شعر بعزوف الجماهير، يقتحم الساحة بأي شيء، لجذب الانتباه من جديد. فتجده تارة، يظهر في دور مشرف اجتماعي، ويتحوّل في نفس اللحظة لمستشار أسري، يوجه المجتمع بشكل عشوائي. وتارة واعظ ديني يفتي، ويجيب على استفسارات الناس. وفي النهار خبير طقس، وعند المساء، خبير سياسي يتكهن بالحروب و الأحوال الجوية. وإن لم ينجح في جذب العدد الذي يطمح به من المشاهدين. يفاجئ العالم، بمواهبه الدفينة، فيُخرج “مرجان أحمد مرجان”، بكل نُسخه. الشاعر ، والروائي، والرسام والواعظ والمصلح الاجتماعي.
للشهرة السريعة جاذبية أخاذة، ولكن خدّاعة. يصعب على البعض مقاومتها، أو رؤيتها بوضوح. ولا تنحني لها سوى النفس الهشة، التي تحاول مواراة نقص أو عقدة ما.
وحين تصبح “الحلزونة يمه الحلزونة” إثراء عظيم للمحتوى. من الطبيعي أن يختفي المبدع الحقيقي. ويبقى “مرجان أحمد
مرجان” في الصدارة !
Discussion about this post