بقلم دكتور … عاطف معتمد
هل خسر العقاد بعض جمهوره ؟
هذا ليس كتابا كبير الحجم، متنوع الفصول من كتب العقاد، إذ لا يزيد عن 25 صفحة، ومع ذلك يبدو أنه مسؤول عن خسارة العقاد قطاعا مهما من جمهوره، ولا سيما المرأة وأنصارها.
عادة ما يخسر العقاد النقاد لثلاثة أسباب:
– موقفه المحتفي بالثقافة العربية والإسلامية الذي يجعله منتميا إليها ومتمسكا بها. وهذا نهج لا يرضي كثيرا من النقاد الذين سيطروا على المجلات والمنافذ النقدية برؤى حداثية، وبالتالي فإنهم إن لم يهاجموا العقاد – اتقاء قوة حجته – فهم على الأقل يتجاهلون مشروعه ويهملون نقد أعماله.
– عدم انبهاره بالنموذج الغربي في الثقافة رغم أنه اغترف منه اغترافا كبيرا. ويخالف هذا مسلك عدد من رواد الفكر المصري الحديث الذين كان النموذج الغربي معيارهم للثقافة والتقدم.
– أما السبب الثالث فلعله الكتاب الصغير الذي بين أيدينا ويجد فيه القراء والنقاد ما يجعلهم يرون العقاد “رجعيا” و “عدوا للمرأة” على حد تفسيرهم الظاهري لمضمون ومحتوى هذه الصفحات القليلة.
البحث عبارة عن 8 مقالات تناول فيها العقاد بداية الموجة الجديدة التي سميت “عصر المرأة” ومكانتها في المدنية الحديثة وتيار “مساواة المرأة” قبل قرن من الزمن.
ولا يخفي العقاد أنه نهل آراءه في الموضوع مما كتبه الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور.
وفي استعانته بما كتبه شوبنهاور يبدو وكأن العقاد قد وجد حماية من انتقاد المخالفين، على طريقة أن هذا فيلسوف أوروبي كبير يتكلم عن المرأة بطريقة محافظة وربما شرقية، ويدعو إلى حماية المرأة من مهددات “فجور المدنية”.
وبلا مواربة يرى العقاد أن الرجل أكثر رجاحة في العقل من المرأة. ويحلل العقاد مفاهيم التعامل مع المرأة، ويتساءل: هل الأفضل تعامل الرجل مع المرأة من باب ندية التقدير والاحترام الذي جلبته الموجة الجديدة أم أن المرأة تستوجب من الرجل تعامل العطف والشفقة؟
يمضي العقاد إلى أن المرأة خلقت رهينة انفعالاتها وهي أقرب إلى العاطفة منها إلى العقل.
وحين يقرر العقاد صفات سلبية بشكل صارخ فإنه سرعان ما يلجأ إلى الاحتماء بما قاله شوبنهاور من وصف المرأة بأنها تعيش دوما طور الطفولة.
وبعد أن يعرض العقاد لأوجه الضعف عند المرأة يذهب إلى أن المطالبة بالمساواة مع الرجل عبث لا فائدة منه ترتجى. ويرى العقاد أن المرأة والرجل صنوان، لكن لابد لأحدهما من ميزة ليحدث التوازن في الحياة بقوامة أحدهما على الآخر، ويقرر أن هذه الميزة للرجل.
يناقش العقاد مسألة تعدد الزوجات ويستشهد بما ذهب إليه شوبنهاور.
ويبدو أن قراءة اسم شوبنهاور في السنوات المبكرة التي كتب فيها العقاد هذا البحث قبل قرن من الزمن، لم تكن تسعف القارئ بمعلومات تساعده في إدراك هوية هذا الفيلسوف وحقيقته وأسباب موقفه من المرأة.
أما نحن في عصر تداول المعلومات يمكننا أن نقرأ مقالات مساعدة تلقي الضوء على شوبنهاور فنعرف أسباب موقفه من المرأة الذي انعكس على كتاباته، ولا سيما علاقته المضطربة بأمه.
أما موقف العقاد في مسيرته الذاتية من المرأة فلعل أفضل استكشاف له هو رواية “سارة” التي نشعر فيها بغموض موقف العقاد وارتباكه وتردده وعدم حسمه للمفاهيم والأطر التي جمعت علاقته الجسدية والروحية بـ “سارة”.
وفي الختام أدعو القراء الأعزاء إلى قراءة كتيب العقاد في أول تعليق، ولعلنا نطالعه في سياق التاريخ الذي كتبه فيه عام 1912، أي قبل ما يزيد عن 110 سنة.
كما تجدون في التعليق الثاني مقالا جميلا عن شخصية شوبنهاور الذي تأثر به العقاد كثيرا في هذا الكتاب.
Discussion about this post