بقلم دكتور … عاطف معتمد
الثابت والمتغير في موقع مصر الجغرافي
لا يمر عام دون ظهور مهددات تجريد موقع مصر الجغرافي من أهميته. قبل أسبوع ظهر خطر جديد يضاف إلى المهددات السابقة.
نحن لا نتحدث عن استهداف دور مصر السياسي الإقليمي بحكم صعود السياسة البترو-دولارية في دول الخليج في ظل تعثر مصر الاقتصادي، بل نقصد هنا سرقة الدور الوظيفي لمصر كحلقة وصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولا سيما دور قناة السويس.
قبل عامين كتبت هنا مراجعة لمقال نشرته دورية فورين بوليسي ذائعة الصيت حول مشروع إسرائيلي – بشراكة خليجية- لمد خط أنابيب للبترول يمر في إسرائيل ويحل محل المسارات المصرية سواء قناة السويس أو تطويق خط الأنابيب المصري “سوميد” الواصل بين خليج السويس والبحر المتوسط.
أما أحدث تهديد فتحقق الأسبوع الماضي عبر تقنية الفيديو كونفرانس بين الرئيس الروسي ونظيره الإيراني بالتوقيع على تشغيل خط سكة حديد في شمال إيران (خط رشت – أستارا Rasht-Astara) بطول 160 كم وينتظر أن يتم تسوية المشروع مع أذربيجان ليكتمل القطاع بامتداد طرق النقل البري إلى شمال روسيا.
الخط التجاري الجديد سيتدفق من روسيا مرورا بأذربيجان ثم إيران ومنه إلى الخليج العربي (يسميه بوتين طبعا الخليج الفارسي) ومن هناك إلى كل من الهند وشرق أفريقيا. أي أن المسار هو منافسة مباشرة لوظيفة قناة السويس التي تصنفها روسيا وإيران طرقا تقليدية تخضع لنفوذ العالم الرأسمالي.
في الخريطة التقريبية التي رسمتها مع هذا البوست تجد الخط التقليدي من روسيا إلى العالم باللون الأزرق، وهو خط طويل جدا ويستغرق أياما مضاعفة مقارنة بالخط الجديد باللون الأحمر الذي لا يمر سوى في ثلاث دول برية هي روسيا-أذربيجان – إيران.
ومن دون فزع، يجب القول إن هذه المشروعات ما تزال في سنواتها الأولى ولم تكتمل بعد، ولكن من دون تغافل يجب القول إن المشروع الأخير تلعب فيه روسيا بأوراق جديدة مفاجئة، فهي ستفتح الأبواب مع أذربيجان وتمنحها بعضا من الإغراءات (كما حدث في قضية كارباخ على حساب أرمينيا) بهدف ضمان تدفق البضائع الروسية بين الشمال والجنوب كبديل للطرق التجارية التقليدية (قناة السويس).
الأيام تثبت أن تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا لا يقف عند مشاكل تدفق الحبوب العالمية أو التجارة في البحر الأسود، إن هذه الحرب تمس جيوبوليتيكا عالمنا العربي، وتمس مصر أيضا بشكل رئيس.
لعل في الخبر الجديد توضيح لما نقوله من أنه لا يوجد ثبات دائم في مفهوم عبقرية المكان، بل توجد تحديات دائمة للحفاظ على تفرد هذا الموقع.
لا توجد عبقرية دائمة….لكن هناك تحديات دائمة.
لا يتربص بك الأعداء في المواقع البعيدة فقط، بل الأشقاء أيضا.
فلننظر ماذا فعلنا.وماذا يجب أن نفعل !
Discussion about this post