“مسبّع الكارات “هو مصطلح شامي يعني إتقان الشخص لسبعة حرف مجازاً أو عدة صنعات.
ففي الزمان كان الشاميّ يعلم ابنه صنعة، أي حرفة، منذ نعومة أظفاره. ويغير هذا الطفل معلمين وصنعات حتى يجد نفسه في إحداها، أي يحبها ويبدع فيها فيتخذها صنعةً له مدى الحياة.
ومرّت السنون وتطور التعليم وفتحت الجامعات، وأصبح الدمشقيّ يرسل ابنه إلى المدرسة بدل الكتاب، ويلي ذلك أن يتباهى به وهو يدرس في الجامعة المحلية أو إن كان موسراً فقد يرسله للدراسة في الخارج على حساب والده. كلّ هذا لم يؤثر قيد أنملة على ضرورة تعلم ابنه صنعة أو حرفة يدوية أو أكثر من واحدة ريثما يكبر. وبذلك يصبح رجلاً خريجاً جامعياً ذي مهنة أكاديمية ولكنه بذات الوقت ابن بيئته وقادر على الاندماج فيها مهما اختلف “حلاسه” أي لباسه.
وفي الوقت الراهن، وعقب الحرب القاسية الطويلة التي أحاقت بالبلاد ونزوع الشباب السوريّ إلى السفر، نجدنا نسمع أخبار نجاحاتهم وإنجازاتهم أينما حلوا وفي كل بقاع الأرض. بدءاً من الخارج، حيث نسمع قصص تفوقهم الدراسي ونجاحاتهم العملية وحتى اختراعاتهم المدهشة. أما في الداخل، فنجد الذي تابع دراسته رغم اضطراره للعمل بسبب تردي الأوضاع المعيشية وحاجته لإعالة نفسه وأسرته. وبالحصيلة، نجده لدى تخرجه قد نال شهادة البكالوريوس مرفقة بسنوات خبرة طويلة قد تصل إلى عشر سنوات في بعض الحالات وفي عدة حرف ومهن؛ ذاك الخريج الذي ليس بجديد في سوق العمل المحلي أو الذي يطمح للسفر إلى الخارج وهو ذي خبرة واسعة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مطرب سوري شاب قد ترك دراسته زمن الحرب وهو طالب في المرحلة الثانوية، وسافر وحده إلى لبنان حيث اضطر للعمل كي يعيل نفسه. فعمل هناك في متاجر الألبسة. هذا الشاب أصبح لاحقا وفي أقل من ثلاث سنوات من ألمع نجوم الراب السوريين. ولكن ما يخفى عن الجميع هو الذي أخبرني به ذات مرة؛ وهو أنه قد صنع شهرته يوم الأحد. نعم، يوم الأحد! أي يوم العطلة. فقد كان يعمل بجد طوال الأسبوع ليصل إلى يوم الأحد فيكتب كلمات الأغاني، وينتظر الأحد الذي يليه ليقوم بتلحينها، والأحد الذي يليه ليعمل على تسجيلها. هو رمز للشباب السوري وإصراره على النجاح مهما تكون الظروف. أذكر أنه كان يعمل في صغره بعد انتهاء دوام المدرسة في سوق الحميدية الشعبي وسط مدينة دمشق. والجدير بالذكر أنه كان يملك خطة احتياطية في حال لم يتمكن من الاستمرار في العمل في الخارج. كانت تقتضي الخطة أن يفتح محل عصير طبيعي وسلطات فواكه فهو بارع بها، كما برع في تصميم واجهات المحال التجارية الضخمة وأصبح لديه خط أزياء خاص به لاحترافه الخياطة.
حقاً أقل ما يقال في إرادة الشباب السوري أنها جبارة. وقد علمتهم الحرب أن “يسبّعوا الكارات” وقد قاموا بذلك على أتمّ وجه. حيث انسجموا في كل مجتمع وجدوا فيه وحققوا نجاحات على كل الأصعدة. يقول العلم الحديث بضرورة التخصص في المجال المهني أو الأكاديمي؛ ويقول الشباب السوري أن الشمولية في الخبرة المهنية والتي بذرت في تكوينهم عبر العصور هي سبب النجاة والنجاح. فتأمل يا رعاك الله!
Discussion about this post