الكينغ يكتب …
مرثية الذئب
هـــنــاك, بــعــيــدا.
حــيــث لا زعـتـر يـعـانـق الـعـرعـر.
ولا ريـح طـريـدة.
كــان الـذئــب الـرّمـادي الـجـريــح
يـسـوّى مـن صـوف الأوهـام وسـادة
تـعدّل وضع رأسـه صـوب الـجـبـل الـيـسـار
لــيـرفـع للـقـمر، بـعـواء الــــــوداع الأخـيـر.
تماما, كما وعد أمه وهي تــمـوت
في ضوء ذاك النّــــــــــهار البعيد.
لم تعبث به الرّيح, ككلّ مساء
لم تستهزئ به سناجب الجوز البرّيّ كعادتها
لم تــتخذ اليرقات مفاصل فروته ممرّا للحاء الأشجار.
لماذا تأخّر القمر هذه الليلة ؟
ربّما حجر، كي أستريح.
ربّما قبضة من الثلج تعدّل وضع رأسي الجريح.
لو أخت
أو صديق
أو من العشيرة رفيق.
يلعق جراحي
ولا يفترسني آخر فتيل اللّيل.
ما كان ينبغي مصارعة الوحش المحنّك.
أخطأت مثل أبي
لماذا تأخر القمر هذه الليلة ؟
كانت لنا أم حنون.
تلعق أضلعها لكي لا نموت.
تهمّ بطريدة
ككلّ الذّئاب الأمّهات.
ولكنّها كانت تــئــن مــن الــوجــع والـقـنوط,
حين تــسـتشــعــر انبهارنا بحدود الغاب المخيف.
كانت تقول لأشقانا:
– خفت ألاّ تعود.
خفت ألاّ تعود يا ولدي الحبيب.
لماذا تأخّر القمر هذه اللّيلة ؟
كان الغاب أخضر كلّ الفصول
وكانت عظامنا لوز وتين وقشرة عود يافع.
ربّما حجر
أو ندف من الثلج, كي أستريح.
أشمّها الرّيح
قسما هيّ الرّيح
تسوق غمام الشّمال صوب هضاب الجنوب
وتلهو بقلاع النّمل
أشمّها الرّيح
قسما هيّ الرّيح
تبلّل الجداول
برذاذ مصبّ واديها, عند أسفل الجبل البعيد
وتلملم ريح الأزهار.
وحوامض نداء الخصوبة
من بين أفخاذ الأرانب
سعوقا
لأنوف الثعالب والذّكور.
هيّ الرّيح
قسما هيّ الرّيح.
يا أولاد لا تنسوا
كانت أمنا تقول.
لا تــنسوا:
– الأرانب قِــــرَبٌ من الدّم الحار
الزّعتر ريح كلّ الغاب
والفأر دليلنا
لمضارب الجرابيع ومنابت التّين
الأسد أسد
كانت تقول
واللبؤة أسود وأسود
الضبع العنيد
كما الكواسر والزاحفات
يكوّر الموت حتّى الغار
اللّيل بيـتـنا وعدوّنا يا أولادي النهار.
كانت تقول وهي تفرش فروتها لننام:
املؤا قــلــوبكم برائحة الدّم الحار
الذئب لا يخون العشيرة
ولا ينسي مواعيد القمر.
لماذا تأخر القمر هذه اللّيلة ؟
خرج أبي إلى الصيد
ولم يرجع
لم أسأل
كون الذئاب لا تسأل
بئس الذئاب حين تسأل: علام لا يعود الآباء؟
بئس الذئاب بلا إباء.
لم أره يوما عابسا
ولم يخلف يوما طريدة
مزّقت اللبؤة كلّ مفاصله
ما طعم دم أبي يا ترى؟
أما دماء أمي وإخوتي فحوامض التين والزّعتر.
لو أخت أوشقيق, يلعق جراحي.
لماذا تأخر القمر هذه اللّيلة ؟
كانت أحلامنا الأرض والسّماء
والجبل يفرد جناحيه شطر الغاب.
تعبت.
لا شىء أميّز رائحته, غير هذا البخور.
كأني بأصوات العشيرة خلف الجبل
كأني بأصوات الطبول.
وخطو يخرج من باطن الجبل.
علام يرتعش جسدي يا ترى؟
وعلام مثل دبيب النمل
يصّاعد من كلّ مفاصلي؟
لم يبق في الوقت متّسع هذه اللّيلة
أهملت حساب مواعيد القمر.
سأغمض عيني
علّه يأتي
تعبت.
لم يبق في الوقت متّسع.
سأنــــــــااااااااااااااااااام.
كمال العيّادي الكينغ
Discussion about this post